: آخر تحديث

رحيل شخصية وطنية

2
2
2

موسى بهبهاني

الإنسان في حياته لا يخلو من فقد حبيب، أو عزيز، وقد يفقد، الوالدين - الأبناء - الأخوة - الزوجة. تتنوّع صور الفقد غير أنها تشترك في أمر واحد وهو الحزن، الذي يخلفه الفقد في حياة الإنسان.

ما أكثر الرجال والرجال قليل...

لقد فقدنا الكثير من الأحبة بيننا، ولكن نحن بصدد ذكر رجل (عجيب غريب) منفرد بخصال عدة أولاها أخلاقه العالية، وابتسامته النابعة من القلب، محب لاهله وأصدقائه، فتح قلبه الكبير لاستقبال أحبته قبل ديوانه العامر فهو الإنسان الحاضر والغائب في قلوب محبيه، هو العم التربوي والصديق العزيز المرحوم عبدالعزيز جاسم القطان.

وطني بامتياز...

ناهيك عن حبه الكبير للوطن الكويت، فيوم ميلاده يُصادف يوم العيد الوطني، فيقيم تجمعاً كبيراً في ديوانه العامر في منطقة بيان، للاحتفال بالمناسبة الأهم، يوم 25 فبراير، يوم العيد الوطني بالكويت، والذي يفضله على يوم مولده.

وقبل الدخول إلى الديوان، نسمع الأهازيج والأغاني الوطنية الكويتية في كل أرجاء المنزل العامر. نرى الأعلام الوطنية مرفوعة في أركان وعلى سور المنزل، وصور الأمير وولي عهده الأمين، معلقة على الجدران، ناهيك عن الإضاءات الجميلة التي زين بها شجرات النخيل، وبإضاءة ترمز إلى ألوان العلم الوطني خارج الديوان وداخله.

عند الدخول إلى الديوان، نجد بوسعود - رحمه الله - يقوم باستقبال الجميع فرداً فرداً، بكل محبة وحفاوة وتقدير، وهو متوشح بالعلم الوطني وعلى صدره الباجات الوطنية، ويقوم بإهداء كل رواد ديوانه، الباجات الوطنية والتي ترمز لهذه المناسبة العزيزة في قلوب الكويتيين، ويتزين بها كل رواد الديوانية بتثبيتها على الصدور.

ديوانه العامر يرتاده جميع أطياف المجتمع الكويتي ومن ضمنهم أسرة آل الصباح الكرام.

بوسعود، رحمه الله، جمع جميع الأصدقاء في قروب «واتساب»، فأصبحنا متواصلين مع بعض بصورة يومية.

يساعد الجميع رغم انه ليس بوظيفة رسمية. يحاول أن يقدم يد العون للمحتاجين ويقضي حاجة ومصالح مَنْ لديه حاجة، فحتى في المجال التعليمي كان يساعد المدرسين.

بوسعود من المعلمين المتميزين في جيل السبعينيات، كان معلماً لمادتي اللغة العربية والإسلامية، تم إيفاده إلى دولة المالديف لسنوات عدة في البعثة التعليمية الكويتية ليقوم بدوره التربوي في تعليم الطلبة في تلك الدولة.

والجدير بالذكر أن المعلمين الكويتيين كانوا مميزين في تلك الحقبة، فتم إيفادهم في بعثات تعليمية شملت دولاً عدة، منها: دولة الإمارات، البحرين، قطر، المالديف، ومالطا، للقيام بدورهم التربوي ووضع الأساس للنهضة التعليمية، وهذا مدعاة كي نفتخر بهم.

الكويت تفتخر بأبنائها

وبما ان هذا التربوي، يتميز بتلك الصفات والأعمال التي قدمها لوطنه، نرجو من وزارة التربية تكريم المرحوم عبدالعزيز القطان، وكذلك تكريم كل المعلمين المتميزين المرحومين والأحياء، فإنهم يستحقون ذلك.

علماً بان المرحوم بوسعود لم يقبل ان يترقى إلى مدرس اول، أو رئيس قسم، أو وكيل، أو ناظر، وظل مدرساً تربوياً في مجاله حتى تقاعده لإيمانه بأهمية دوره التعليمي في الفصول المدرسية.

كان المرحوم محباً لإقامة الأمسيات القرآنية، وقام بأمسيات عدة في رحاب القرآن الكريم، فالقرآن مأدبة الله إلى خلقه، واحياءً لتلك الشعيرة، فالإنسان يحتاج إلى الذكرى بإقامة الأمسيات القرآنية، فذكر فإن الذكري تنفع المؤمنين.

والعجيب والغريب في المرحوم بوسعود، قلبه الرحيم، وأحاسيسه المرهفة الصادقة.

أتذكر قبل سنوات عندما غيّب الموت فلذة كبدي مهدي، قمت بوضع صورته في الحالة في «الواتساب»، فاتصل بي في إحدى الليالي، وكان متأثراً وخانقته العَبرة، وقال: أريد أن اطلب منك طلباً يا أخي. فقلت له خيراً يا بوسعود، فقال أريد منك أن تلغي صورة ولدك مهدي من الحالة. فقلت له ولماذا؟ فقال عندما أشاهده أبكي وأتألم، فأنا أخاف عليك بأن تتألم، فقلت له اطمئن يا بوسعود، فأنا لا أتألم بل أفرح عندما أراه دائماً معي. هذا هو المرحوم بوسعود، وهو يواسي أصدقاءه ويخاف عليهم.

وهو متميز في القيام بواجبات العزاء والمسرات في تقديم المواساة والتضامن مع أهل المتوفى أو أهل الفرح.

بادرة طيبة

قام أبناء المرحوم، بإذن الله، بإقامة أمسية قرآنية بثواب والدهم بوسعود فى الأسبوع الأول من وفاته، وتمت دعوتنا كرواد للديوانية، وبالفعل كانت بادرة طيبة من الأبناء، واجتمعنا في تلك الأمسية وذكرنا المرحوم واستمعنا إلى الآيات القرآنية وكان ثوابها للمرحوم.

حقيقة شعرت كأنه كان معنا متواجداً، وأبلغني ابنه الأكبر سعود بان الديوانية ستكون بعهدة صديقيه المقربين المربين الفاضلين: الاستاذ إبراهيم حاجية (بوأحمد) وحمزة الاستاذ (بوعمار)، والديوان سيظل تحت إشرافهما للاستمرار بفتح أبوابه لاستقبال الأصدقاء والأحبة للمرحوم بوسعود.

هنيئاً لأبناء المرحوم على التربية الصالحة، وندعو المولى عز وجل أن يوفقهم ويظلوا أبناءً بررة لوالديهم.

اللهم إنّ عَبْدِالْعَزِيز جَاسِم الْقَطَّان في ذمّتك، فاغفر له، وارحمهُ، إنّك أنت الغفور الرّحيم.

اللهم إن كان مُحسناً فزد في حسناته، وإن كان مُسيئاً فتجاوز عنه.

اللهمّ آنسه في وحدته، وفي وحشته، وفي غربته.

اللهمّ أنزله منزلاً مباركاً، وأنت خير المنزلين.

اَللَّهُمَّ ارْحَمُ كُلّ مَنْ ذَبُلَتْ قُلُوبُنَا شَوْقاً لهُم.

رحم الله مَنْ قرأ سورة الفاتحة وأهدى ثوابها لأرواح كل مَنْ فقدناهم من الأهل والأحبة والأصدقاء، ولمَنْ ليس له ذاكر، لاسيما للمرحوم بإذن المولي عز وجل عَبْدِالْعَزِيز جَاسِم الْقَطَّان.

إنَا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد