: آخر تحديث

ترامب.. عين في الجنة وعين في النار

2
2
2

سليمان جودة

لا أذكر بالضبط ما السياق الذي قال فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إنه لا يعتقد أنه سيدخل الجنة؟ ولكن ما أذكره أنه قال ذلك، وأن وكالات الأنباء طيّرت عنه هذا النبأ، وأنه شغل الناس بذلك لفترة، ثم انشغل الناس أنفسهم بالجديد لدى ترامب. طبعاً موضوع دخول الجنة من عدمه، يظل في يد الله تعالى، ولا أحد يستطيع أن يقطع بدخوله أو عدم دخوله، ونحن نذكر أن للرسول عليه الصلاة والسلام حديثاً في هذا الشأن، معناه أن دخول أي إنسان، بمن في ذلك الرسول الكريم نفسه، حسب نص الحديث، إنما سيكون برحمة من الله وحدها، لا بعمل الإنسان، مهما كان صالحاً، ولكن هذه قضية أخرى، وليست قضيتنا في هذه السطور.

أما الجديد لدى ترامب فهو أنه قد نشط في الفترة الأخيرة، وخصوصاً في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق وقف الحرب على غزة في شرم الشيخ، وكان نشاطه في اتجاه وقف الحرب الروسية الأوكرانية، وكانت البداية اتصاله الهاتفي مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

وبما أنه أطلق تصريح دخوله الجنة إياه، فإنك تستطيع أن تلاحظ وأنت تتابع نشاطه في قضية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أن إحدى عينيه في الجنة بالمعنى السياسي، وأن الأخرى في النار، ويقال هذا في العادة، عن المرء الذي يتوزع اهتمامه بين موضوعين يريدهما معاً. شيء من هذا تجده لدى ترامب، الذي ما كاد ينهي اتصاله مع بوتين، حتى كان في اليوم التالي قد راح يستقبل الرئيس الأوكراني في البيت الأبيض، وقال قبل استقباله إنه سيطلعه على مضمون الاتصال مع بوتين.

أما الرئيس الأوكراني، فقد ذهب إلى واشنطن يطلب إمداده بصواريخ توماهوك، لاستهداف العمق الروسي، والتي كان ترامب قد راح يلوح بأنه يفكر في إمداد الأوكرانيين بها، ولكنه ما إن أنهى اتصاله مع بوتين، حتى تراجع عن ذلك، وقال ما معناه إن بلاده في حاجة إلى هذه الصواريخ، وأن أوكرانيا ليست في حاجة إليها لوقف الحرب، وأن زيلينسكي يمكنه توقيع اتفاق سلام، تنتهي به هذه الحرب.

وهكذا تكتشف أن سيد البيت الأبيض يريد شيئين معاً الحفاظ على علاقته مع سيد الكرملين، فلا يغضبه، ووقف الحرب، فلا يغضب أوروبا، التي تقف وراء أوكرانيا، والتي ترى نفسها حليفاً تاريخياً لواشنطن، لولا أن الولايات المتحدة في نظر الأوروبيين، لا تقيم أي اعتبار لذلك، منذ مجيء ترامب.

يقف ترامب حائراً، لا يدري إلى أي الطرفين يميل، بينما إحدى عينيه في موسكو، والأخرى في بروكسل.. ولو أنه أنصف بلاده، لوقف إلى جانب أوروبا، حيث وقفت كل الإدارات السابقة عليه. ولكن هذا لا ينفي طبعاً أن أوروبا هي التي سبقت بالاقتراب من الحدود الروسية بأكثر مما يجب، وأن مخاوف الروس من هذا الاقتراب، كانت مفهومة، وأن بوتين لما أطلق الحرب، كان معذوراً.

يقف ترامب حائراً، هل يعطي أوكرانيا الصواريخ أم يحجبها عنها، ويسعى إلى حل سلمي مع بوتين. لقد قيل يوم الاتصال مع بوتين، إن لقاءً سيجري بينهما في المجر، خلال أسبوعين، وهو لقاء ينتظره العالم، الذي مل الحرب، وعانى منها، وأصابه من تداعياتها ما نعرفه منذ انطلاقها، لولا أن البيت الأبيض أعلن في اللحظات الأخيرة تعليق لقاء المجر.. ولكننا نذكر أن لقاءً في هذا الصيف، كان قد تم بين الرئيسين للغرض نفسه في ألاسكا، لولا أيضاً أن اللقاء لم يوقف الحرب، ولا أدى إلى شيء بشأنها.

ومن طول استمرار هذه الحرب، تشعر أنها أقرب إلى لعبة عض الأصابع الشهيرة، منها إلى سواها، وهي لعبة تقوم بين طرفين، ويظل الرهان فيها على أن أحد الطرفين يصرخ أولاً.. والمعنى أن الطرف الذي يكسب فيها، هو الذي يستطيع إيلام الآخر أكثر.

لا بد أن كل متابع للحرب، التي يكاد مداها الزمني يصل إلى ما يساوي مدى الحرب العالمية الثانية، سوف يلاحظ أنها أقرب إلى حكاية عض الأصابع، منها إلى أي حكاية أخرى، لأن كل طرف من طرفيها، كان، ولا يزال، حريصاً على إلحاق كل ما يستطيعه من أذى بالطرف الآخر.. وأسوأ ما فيها، أن العالم الذي تضرر منها للغاية، قد اعتاد عليها، فلم يعد يهتم بأخبارها، كما كان الأمر في البداية، وكان الأمل أن يضع لقاء الرئيسين في المجر حداً لهذا الاعتياد، الذي إنْ جاز مع شيء، فإنه لا يجوز مع أخبار الحرب وبشاعة عواقبها. وإذا كان تعليق لقاء المجر قد بدد الأمل، وأصاب محبي السلام باليأس، فإن حبل الأمل يبقى ممتداً، فلا ينقطع في كل الأحوال، رغم كل الظروف.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد