: آخر تحديث

بين المغامرة والمقامرة

2
2
2

أحمد برقاوي

قال المعجم العربي في المعنى اللغوي للفعل «غامر»: إن الفعل غامر يعني الإقدام على فعل فيه خطر، ويضيف: إنه فعل يشير إلى شجاعة وتهور، ولهذا قيل عن المغامرة الإقدام على عمل لا تدري عواقبه، أقدم على أمر فيه خطر أو مجهول العاقبة دون يقين، أما قامر وقمار فهو اللعب على شيء من المال، أي خاطر بماله على الحظ.

قامر فلان فلاناً: راهنه في لعب أو نحوه، فإن غلبه أخذ ماله، وإن غلب أخذه الآخر، وكل من خاطر بماله في لعبة أو رهان فهو مقامر.

لا تنطوي المغامرة الفردية على خطر يصيب الآخرين أو نجاح يعود على الآخرين بالنفع، وقس على ذلك القمار، فخسارة المال على طاولة القمار تعود بالضرر على المقامر وعلى من يعيلهم، غير أن المغامرة والمقامرة بالمعنى السياسي مفهومان يشيران إلى نوعين من السلوك المرتبط بأهداف يسعى المقامرون والمغامرون لتحقيقها.

وشتان بين المغامرة والمقامرة، المغامرة تنطوي على روح التمرد من أجل غاية سامية بنظر أصحابها تنطوي على حظ مهم من المعقولية الواقعية والاحتمالات الممكنة للانتصار أو الهزيمة، فالعقل المغامر ينطلق في سلوكه، سواء كان عقل جماعة أو عقل فرد قائد في جماعة لتحقيق أهداف وغايات وطنية أو أيديولوجية.

يوسف العظمة مثلاً كان يدرك بأن لا قبل له بمواجهة غورو عندما تقدم من لبنان لاحتلال دمشق عام 1920، لكن حسه الوطني جعله مع مجموعة من عناصر الجيش السوري الوليد لملاقاة غورو في ميسلون دفاعاً عن الدولة السورية الوليدة، التي هو وزير دفاعها، وقتل نتيجة مغامرته هذه، وتحول إلى بطل وطني سوري يحتفل كل عام بذكرى مقتله، وقس على ذلك عمر المختار وعبد القادر الجزائري وعبد القادر الحسني وما شابههم.

أما المقامرة السياسية فهي تشبه تماماً اللعب على طاولة القمار أو آلاته، المقامر سياسياً يعتمد على الحظ دون إعمال العقل في احتمالات المقامرة، فأموال المقامر هنا هم من البشر، لكن خسارة البشر لا تتصل بالمقامرين فقط بل بالأبرياء أيضاً.

تكمن المشكلة في أن تصبح السياسة العملية مقامرة في التبرير الأيديولوجي للمقامرة، فقد يبقى المقامر حياً، لكن خسارة البشر لحياتهم وأسباب الحياة تكون جد باهظة، وأسوأ أنواع المقامرة السياسية العملية المقامرة من أجل البقاء في زوال الشروط التي خلقت وجود المقامر، أو البقاء في السلطة التي فقدت شروط بقائها، فوعي المقامر الذي ربح مرة بالاحتفاظ بما ربح عبر الاستمرار بسلوك المقامرة نوع من الهبل التاريخي.

إذا كان عدوك مقامراً وولد مقامراً بنوع من الغش والخداع في المقامرة، ويسعى للاحتفاظ بالمال الذي ربحه، فمواجهته يجب أن تكون بالمغامرة وليس بالمقامرة، فالربح بالمقامرة يجعل الرابح خائفاً دائماً على ما ربح، إن الانتقال من الربح في المقامرة إلى الوجود المقامر يحول البشر إلى أموال.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد