خيرالله خيرالله
السؤال الوحيد الذي يطرحه اللبنانيون هذه الأيام، هو، متى تقع الحرب؟ يعود ذلك إلى رفض «حزب الله» نزع سلاحه الذي يتبيّن يومياً أنّه في خدمة إسرائيل وفي خدمة استمرار الاحتلال لأرض لبنانية. لا يريد لبنان الاستفادة من تجارب الماضي المتمثل في حدثين محدّدين.
يتمثّل الحدث الأوّل في حرب العام 1967 التي امتنع لبنان عن الانضمام إليها. مكّنه ذلك من تفادي أي احتلال إسرائيلي لأي شبر من أرضه، خلافاً لما حدث مع مصر وسوريا والأردن.
يتمثّل الحدث الثاني في الإنزال الذي نفذته مجموعة كوماندوس إسرائيلية في مطار بيروت قبيل انتهاء العام 1968 ونسفها اسطول طائرات «طيران الشرق الأوسط».
كان ذلك تحذيراً واضحاً من تحوّل مطار العاصمة اللبنانية نقطة انطلاق لمجموعات تخطف طائرات مدنية إسرائيلية. بدل أن يأخذ لبنان علما بالتحذير وما تستطيع إسرائيل عمله، لجأ إلى توقيع اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينيّة في نوفمبر 1969. يبقى أخطر ما في اتفاق القاهرة، تخلي لبنان عن اتفاق الهدنة الموقع مع إسرائيل في العام 1949.
فتح اتفاق القاهرة الذي يعني، بين ما يعنيه، تخلياً عن السيادة على جزء من الأرض اللبنانية، أبواب جهنّم أمام لبنان. لاتزال هذه الأبواب مفتوحة إلى يومنا هذا. قد تكون العبارة الصادقة الوحيدة التي صدرت عن ميشال عون طوال عهده، والذي استمرّ ست سنوات بين 2016 و2022، أن لبنان ذاهب إلى «جهنّم».
لايزال لبنان في طريقه إلى «جهنّم». الدليل على ذلك عدم التجاوب مع الكلام الصادر عن المبعوث الأميركي توم برّاك الذي حذر من حرب أخرى تشنها إسرائيل، مشيراً إلى أن واشنطن قدمت خطة تعتبر «محاولة أخيرة» تدعو إلى نزع تدريجي لسلاح الحزب.
أشار برّاك إلى أنّ عملية نزع السلاح تكون بإشراف أميركي وفرنسي، لكنّّها «تعطلت بسبب نفوذ حزب الله داخل الحكومة اللبنانية».
كان المبعوث الأميركي مباشراً في تحديده أنّ لبنان هو «الامتداد الطبيعي لعملية السلام بعد سوريا» وأنّ لبنان يعاني من «شلل» على صعيد المؤسسات التي تمتلك القدرة على اتخاذ القرار. ذهب إلى أبعد بقوله إنّ نزع سلاح الحزب «شرط أساسي لتحقيق الأمن الإقليمي».
من المستحسن والمفيد أخذ كلام المبعوث الأميركي على محمل الجدّ. يعود ذلك إلى الكلام الأخير الصادر عنه يعكس مدى حرصه في هذه الأيام على أن يكون صوت الإدارة الأميركية.
من الواضح أن لا هامش مناورة لدى برّاك الذي بات عليه التزام الخط الذي تفرضه عليه واشنطن ممثلة بالمحيطين مباشرة بالرئيس دونالد ترامب. كان لافتاً في التغريدة الأخيرة لبرّاك على «إكس» تعمده الإشادة بطريقة خارجة عن المألوف بالرئيس الأميركي وبخطته ذات النقاط العشرين التي رافقت الإعلان عن اتفاق لوقف النار في غزّة.
بات لبنان أمام خيارين لا ثالث لهما، هما الانخراط في عملية السلام في المنطقة، بالطريقة التي يريدها الأميركي، أو التفرّج على ما يدور في محيطه، بما في ذلك التفرّج على إسرائيل تتابع احتلالها لأراض لبنانية واستهداف مواقع وقيادات للحزب بشكل يومي.
تغيّر كلّ ما في المنطقة، لا يؤكّد ذلك أكثر من رهان برّاك على سوريا وربطه بين الوضعين السوري واللبناني ربطاً محكما. من الضروري قراءة تغريدته الطويلة للتأكّد من هذا الربط ومن إعجابه بتجربة أحمد الشرع من جهة وميله إلى التشاؤم بقدرة لبنان على التخلّص من حالي «الشلل والتراجع» اللتين يعاني منهما ومن الانقسام العمودي داخل الحكومة من جهة أخرى.
توجد فرصة أمام لبنان الذي عليه عدم إضاعة الوقت. تبدو الحاجة أكثر من أي وقت للاعتراف بأنّ الحكمة أدت إلى النجاة من نتائج حرب 1967 وأنّ التهوّر أخذه إلى اتفاق القاهرة.
ما العمل الآن؟ ليس كافياً التهرب من تحمّل المسؤوليات، والاعتقاد بأن الحل بإدارة الأزمة العميقة التي يعاني منها لبنان بدل السعي إلى حلّها جذرياً، إضافة إلى حكومة منقسمة على نفسها.
مثل هذا التهرّب من تحمّل المسؤولية ومحاولة معرفة ما تريد إسرائيل، من أجل تفادي حرب قريبة، ليس خياراً لبنانياً، خصوصاً أنّ المطلوب قبل أي شيء معرفة ثمن إنهاء احتلالها للمواقع الخمسة في جنوب لبنان؟
كيف الحصول على جواب عن هذا السؤال، هو المهمّ، بدل ممارسة لعبة شراء الوقت التي تعكس رهاناً على أوهام زالت مع خسارة إيران لكل الحروب التي افتعلتها على هامش حرب غزّة.
خسرت «الجمهوريّة الإسلاميّة» الهيمنة على قرار السلم والحرب في لبنان في ضوء خسارتها «حرب اسناد غزّة» التي قامت على فتح جبهة جنوب لبنان. كذلك، خسرت سوريا في ضوء التغيير الكبير ذي الطابع التاريخي الذي حصل في هذا البلد المهمّ. إنّّه تغيير أنهى، إلى غير رجعة، سيطرة آل الأسد على البلد.
تغيّرت المنطقة ولم يتغيّر لبنان الذي يبدو أن عليه تفادي السقوط مجدداً في فخّ التذاكي... والاعتراف بأن الوقت لا يعمل لمصلحته في عصر اسمه عصر إدارة ترامب. يعتمد ترامب، للأسف الشديد، على موالين لإسرائيل مثل ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر وغيرهما، في تحديد سياساته الشرق الأوسطية. إنّها سياسات لابدّ لبرّاك من العمل تحت سقفها في حال شاء البقاء في موقعه.

