شكّل استقبال ولي عهد المغرب، الأمير مولاي الحسن، للمنتخب المغربي لأقل من عشرين سنة، أخيرا في الرباط، عقب تتويجه التاريخي بكأس العالم في تشيلي، حدثًا وطنيًا بارزًا مفعمًا بدلالات رمزية وسياسية عميقة تتجاوز حدود التكريم الرياضي، إلى لحظةٍ مغربيةٍ متجددة تجمع بين روح الشباب واستمرارية الدولة، وبين الرياضة كقوة ناعمة والسياسة كقوة صلبة.
رمزيًا، جاء هذا الاستقبال ترسيخًا لمبدأ الاستمرارية الملكية؛ فولي العهد يجسد الحاضر الدائم للمؤسسة الملكية، ويعبّر عن الجيل الجديد من القيادة الذي يتحمّل المسؤولية خطوة خطوة أي بتدرّج ووعي. لذلك لم يكن ظهور الأمير مولاي الحسن في هذه المناسبة، التي أبهجت المغاربة قاطبة، مجرد خطوة بروتوكولية، بل تمرينًا سياسيًا على التفاعل مع المجتمع، وتأكيدًا على أن الدولة المغربية تُبنى على الاستمرارية والانفتاح في آنٍ واحد.
إن اللقاء بين أمير المغرب الشاب واللاعبين الشباب يجسد تلاقي جيلين. جيل القيادة المستقبلية وجيل المغرب الجديد المؤمن بالاجتهاد والانتماء. لقد تحوّل هذا التتويج إلى لحظة جامعة تُبرز مغزى الاستثمار في الإنسان المغربي، إذ إن عددًا من أبطال المنتخب المتوج هم من خريجي أكاديمية الملك محمد السادس، ما يؤكد نجاح الرؤية الملكية التي راهنت على التكوين والبنية التحتية والاحتراف.
لقد أثبت المغرب، مرة أخرى، أنه بلد يحقق الانتصارات في السياسة كما في الرياضة. فبينما يواصل ترسيخ موقعه الدولي في ملفات كبرى مثل قضية الصحراء المغربية، والطاقة، والتعاون الإفريقي، وانفتاحه المتوازن على القوى العالمية، يبرهن في الوقت ذاته على قدرته على صناعة الفرح والإنجاز في الميادين الرياضية. وهكذا تتجلى معادلة "تماهي الزمن السياسي مع الزمن الرياضي" التي توحّد بين الصرامة في القرار والليونة في الصورة.
ولئن كان النشاط الأميري الأخير يُبرز صورة المغرب كقوة ناعمة صاعدة في إفريقيا والعالم، اعتادت استخدام الرياضة كوسيلة للتقارب والتأثير، فإنه يوجّه رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن المغرب دولة فاعلة، قادرة على الجمع بين الحداثة والرمز، وبين الدولة الراسخة الضاربة في عمق التاريخ والطموح الشبابي المتجدد.
لقد بدا مشهد استقبال المنتخب المغربي مؤثرًا ومفعمًا بالعاطفة، إذ أظهر الأمير مولاي الحسن كأمير قريب من الشباب، ينبض بنبضهم، يشاركهم الطموح والانتماء، ويجسد في الآن ذاته وجهًا جديدًا للملكية المغربية المنفتحة على المستقبل.
إن الموضوع هنا يتجاوز مجرد لحظة احتفال بتتويج مستحق؛ فهو إعلان رمزي عن مغربٍ يتجدد بثقة كبيرة في الذات، مغربٍ يربح رهان السياسة كما يربح رهان الرياضة، مؤمنًا بأن الإنجاز الوطني لا يكتمل إلا عندما ينهل الشباب بإصرار وثبات من روح الانتماء والعطاء.
لقد أثبتت الملكية المغربية مجددًا أن ولاية العهد ليست مجرد وضع دستوري يحدّد استمرارية الحكم، بل منظومة رمزية تُجسّد فلسفتها القائمة على الامتداد التاريخي، والتجذر في الشرعية الدينية والوطنية، والتكيّف مع روح العصر ومتطلباته.
إن الفصل الثالث والأربعين من دستور 2011 ينص على أن "الملك هو أمير المؤمنين، والممثل الأسمى للأمة، ورمز وحدتها"، ويضيف أن "ولاية العهد تنتقل إلى الابن الأكبر"، وهو ما يمنح الاستمرارية طابعًا دستوريًا واضحًا، ويكرّس انتقال السلطة بشكل سلس، بعيدًا عن أي تجاذب سياسي أو تنافس حزبي. غير أن البعد الأعمق لولاية العهد لا يقتصر على النص، بل يمتد إلى المجال الرمزي والثقافي، حيث تُزرع منذ وقت مبكر صورة ولي العهد في الوعي الجماعي للمغاربة بوصفه رمز المستقبل وضمان استقرار البلاد.
لقد دأبت المؤسسة الملكية على استخدام رمزية ولاية العهد كأداة للتجديد الداخلي. فمع كل جيل ملكي جديد، يتمّ تحديث صورة الحكم لتواكب تحولات المجتمع. ففي عهد الملك الراحل الحسن الثاني كانت رمزية الحكم مرتبطة بالهيبة والصرامة، بينما اتخذت في عهد الملك محمد السادس منحى الانفتاح والإصلاح والتنمية. واليوم، تُرسم ملامح مرحلة مستقبلية جديدة، تزاوج بين روح العصر الرقمي والتحولات البيئية وتطلعات الشباب.
من خلال ولي العهد، تُوجّه المؤسسة الملكية رسالة أخرى إلى الداخل والخارج مؤداها أن الاستقرار المغربي ليس صدفة، بل ثمرة وعي تاريخي طويل، وإرادةٍ ثابتة في أن يبقى العرش والبلاد معًا في خطٍّ واحدٍ نحو المستقبل، ولا شيء غير المستقبل.


