: آخر تحديث

مدير العراق الجديد

1
1
1

المبعوث الأميركي الجديد مارك سافيا خرج من العراق وهو دون سن العاشرة. أي إنه لم يعرف العراق، ولا ثقافته وتاريخه، ولا تعقيداته التكوينية الإثنية المتشابكة.

وفي أميركا، حسب معلومات أقاربه في ميتشغان، لم يتجه للعلم والثقافة في المدارس العليا، ثم يتخصص في السياسة أو الاقتصاد أو العلوم.
ففور بلوغه سنّ الرشد اضطر للعمل في دكاكين بيع المواد الغذائية والمشروبات الروحية، كغيره من الوافدين الجدد من العراقيين. ولم يمكث طويلًا في هذه المهنة.

فما إن سمح قانون ولاية ميتشغان بزراعة الماريجوانا، وهي نبات القنّب المُخدّر، حتى أهداه ذكاؤه الفطري انتهاز الفرصة والتفرغ لزراعتها وبيعها.

وما ميزه عن غيره ممن اختار هذه التجارة أنه أقنع بعض أصحاب الأموال الكلدان العراقيين بمشاركته وتمويله ببضعة ملايين من الدولارات، لتتحول شركتهم إلى الرائدة الأكبر والأشهر في هذه التجارة.

وبسرعة فائقة أصبح من أصحاب الملايين. وهذا ما جعله يعثر على خاتم سليمان، فقد شاءت المصادفات السعيدة أن يلتقي بأحد أصدقاء الرئيس ترامب، وهو اليهودي الأميركي مارك زاركن، صاحب مطعم Steven Lellis، ليقرّبه من قادة حملة ترامب الانتخابية، وليصبح أحد أبرز الناشطين فيها.

فقد رشح الملياردير الجمهوري دونالد ترامب نفسه للرئاسة مجددًا في عام 2024، بعد خسارته السابقة في عام 2021 أمام جو بايدن الديمقراطي.

ويقول صديق كلداني، وهو أحد معارف مارك سافايا، إن مارك سافايا تبرع بسخاء لحملة الرئيس ترامب. ويعتقد هذا الصديق أن هذا هو السبب الوحيد الذي جعل الرئيس ترامب يكافئه ويختاره ليكون ممثله في العراق. بعبارة أخرى، إن دافع الرئيس لاختيار مارك لهذه المهمة كان الولاء، والولاء وحده.

وكان يمكن أن يكون تعيين أحد أبناء الجالية الكلدانية العراقية ممثلًا شخصيًا لرئيس أميركي سببًا للفخر والاعتزاز، ولكن اختيار مارك سافايا لن يكون كذلك. ففي الجالية كثيرون من العلماء والخبراء والمفكرين والمتخصصين بشؤون السياسة والدبلوماسية، كان أجدر باختياره للقيام بهذه المهمة الكبيرة لخدمة أميركا والعراق معًا.

وأكثر من واحد من أبناء الجالية الكلدانية عبّر عن عدم رضاه عن هذا التعيين، ويتوقعون له الفشل، لأنه يفتقر إلى الخبرة والكفاءة والثقافة والفهم الصحيح للوضع العام وتعقيداته وإشكالياته في العراق والمنطقة.

ويقول أحدُ أقارب مارك سافايا إنه واحد من عامة كلدان ولاية ميتشغان، لم يُعرف عنه أنه مولع بقراءة الكتب والبحوث والدراسات، ولا هو متابع للأحداث السياسية في العراق والشرق الأوسط والعالم، ولا مصاحب لمفكر أو أديب أو شاعر أميركي أو عراقي.

وفي الجالية هناك العديد من منتديات الجالية الكلدانية العراقية الثقافية أو العلمية أو السياسية أو الاجتماعية، ولكنه لم يُشاهد في أي منها ولو مرة واحدة في حياته.

وطبقًا لما توقعه أحد معارفه من أبناء جاليته الكلدانية في ميتشغان، فإن مارك سافايا ذاهب إلى بغداد لغرض تجاري بحت، لتنفيع الشركات الأميركية الكبرى حصريًا، ولخدمة مصالح أميركا دون غيرها، لا لترشيد دولة العراق المتعثّرة وإقامتها على أسس ديمقراطية حقيقية غير مغشوشة، ولا لكي يلقي القبض على المختلسين الكبار، ولا ليُعدّل دستور بول بريمر المسموم، ولا ليصدر قانونًا جديدًا يضمن إجراء انتخابات نزيهة وغير مزورة، ولا ليُطلق سراح الموقوفين لأسباب ثأرية طائفية أو حزبية، ولا ليبحث عن سجون الأحزاب السرية لكي يحرر منها المغيبين، ولا ليمنع تهريب النفط والآثار والسلاح والمطلوبين للعدالة إلى دول الجوار، ولا لتعيين رئيس حكومة بلا إخوة ولا أصهار، ورئيس جمهورية لا يطلب مضاعفة راتبه الشهري، ولا يسطو على أملاك الدولة بسعر التراب.

إنه، وقطعًا ودون أي شك، غير مكلف بهذه المهمات الوطنية العراقية التي يفرض الواجب الأخلاقي والإنساني عليه وعلى كل عراقي مغترب آخر أن يكون وفيًا لوطن الآباء والأجداد الذي ينتمي إليه كلدان العراق وأبناؤه المغتربون الآخرون.

وبالمناسبة، نفى معارف مارك، وبشدّة، ما نُشر في الإعلام عن كونه السبب الذي جمع للرئيس ترامب مؤيدين من الجالية الكلدانية والعربية والإسلامية الأخرى، وذلك لأنه لم يُعرف عنه أنه كان ذا علاقات حميمة وقوية مع هذه الجاليات.

وعن كونه البطل الذي أطلق سراح المختطفة الأميركية اليهودية إليزابيث تسوركوف، أكد العارفون الكلدان أن مارك سافايا لم تكن له علاقات بالسياسيين والمتنفذين وقادة الأحزاب العراقية والمليشيات الإيرانية تؤهله للقيام بمهمة من هذا النوع.

وقد يكون الذي ساعده على ذلك صديقه وعرّابه وناصحه شاكر الخفاجي، رجل الأعمال الأميركي العراقي الذي كان قد اصطحبه في رحلة إلى العراق في شباط (فبراير) الماضي، وعرّفه على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وعلى بعض قادة الأحزاب العراقية، بوساطة الأميركي العراقي الآخر عدنان الزرفي.

وبالرغم من كل ما تقدم، فقد تمنى بعض أبناء الجالية الكلدانية العراقية في ولاية ميتشغان للسيد مارك سافايا النجاح في عمله في العراق، بما توفر له من علاقة مباشرة بالدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.