: آخر تحديث
هاشتاك الناس

الديمقراطية تضحك علينا

1
1
1

يقال إنَّ الديمقراطية في العالم الحديث هي "نظام حكم الشعب بالشعب ولأجل الشعب". أما في العراق، فقد تحوّلت إلى "نظام انتظار الشعب، وتأجيل الشعب، ولأجل مصلحة غير الشعب". نحن نمارس الانتخابات كما يمارس الناس طقوس المطر: نقف في الساحات، نرفع أصواتنا، نعلّق آمالنا على السماء، ثم نعود أدراجنا عطشى. الفرق الوحيد أنّ المطر قد يهطل أحيانًا، بينما الديمقراطية العراقية مصابة بجفاف أبدي.

منذ 2003 وحتى اليوم، لم تعد الانتخابات حدثًا سياسيًا بقدر ما صارت مناسبة اجتماعية، شبيهة بشعائر عاشوراء أو رمضان: لها طقوسها، خطبها، دموعها، وموائدها الممتدة بعد كل دورة. الناخبون يذهبون بجدية كأنهم على موعد مع قدرهم، يملؤون الاستمارات، يضغطون على الأزرار الإلكترونية، ثم يعودون إلى بيوتهم ليكتشفوا أن "قدرهم" مؤجل دائمًا.

إنها الديمقراطية المؤجَّلة: كل شيء يُرحَّل إلى إشعار آخر. التغيير بعد أربع سنوات. الخدمات بعد أربع سنوات. الكهرباء بعد أربعين سنة. أما العدالة فهي مؤجلة إلى يوم القيامة، حيث يقال إن "الحساب عسير"، لكن في العراق يبدو أن السياسيين حصلوا على عفو مسبق!

ولو تأملت المشهد الانتخابي، لرأيت أنه يشبه مسرحية هزلية: المواطن يدخل الصندوق كفارس يحلم بإنقاذ مدينته. والحبر البنفسجي يوسم إصبعه كوسام بطولة. ثم يخرج ليكتشف أنه كان مجرد كومبارس في مشهد متكرر.

حتى الآليات صارت طقوسية: تعليق اللافتات الضخمة على الجدران، توزيع الابتسامات البلاستيكية، إغراق الشوارع بصور المرشحين، كأن البلاد معرض دولي للوجوه الكالحة. يختفي الإسفلت، تختفي الأرصفة، لكن صور "السادة" لا تختفي أبدًا.

التهكم الأكبر أن الشعب يعرف اللعبة جيدًا. يعرف أن النتائج معروفة سلفًا، وأن الوجوه لن تتغير، ومع ذلك يذهب للتصويت. لماذا؟ ربما لأن العراقي يحب المشاركة في "المهزلة الكبرى"، مثل جمهور يدفع ثمن التذكرة ليضحك على نكتة يعرفها مسبقًا.

والأحزاب بدورها تحوّلت إلى شركات إعادة إنتاج. تطرح نفس البضاعة بعلب جديدة: نفس المرشح الذي فشل أمس يُقدَّم اليوم بملصق أكبر وشعار أكثر لمعانًا. كأننا أمام إعلان تجاري لفيلم قديم يُعرض مجددًا تحت عنوان "النسخة المحسنة".

أمَّا الوعود، فهي لا تقل سخرية عن المسلسل التركي الطويل:"نعدكم بالإصلاح" (لكن الإصلاح لا يتعدى إصلاح مكيف مكاتبهم)."سنحارب الفساد" (لكن الفساد صار هو الدولة ذاتها)."نحن مع المواطن" (لكن المواطن معهم فقط في الصور الدعائية).

وهكذا، تنقلب الديمقراطية إلى مجرد طقس. العراقي يمارس حقه الانتخابي كما يمارس طقوس العزاء: يعرف أن الميت لن يعود، لكنه يصر على البكاء كل عام.

إنها الديمقراطية المؤجَّلة، حيث لا يتغير شيء سوى عمر الناخب، وحجم ثروات السياسي. أما التغيير الحقيقي، فهو دائمًا على الورق، في الخطابات، في الشاشات، في نشرات الأخبار… لكنه لا ينزل أبدًا من برج الأوهام إلى شوارع العراق.

الانتخابات في العراق لا تأتي بالتغيير، بل تؤكد كل مرة أن التغيير مؤجَّل. أجل غير مسمى. أجل يطول أكثر من انتظار الكهرباء، وأطول من طوابير البنزين، وأثقل من أحلام شاب عاطل.

باختصار: الديمقراطية عندنا ليست ممارسة سياسية، بل ديكور جميل، وطقس مكرر؛"نُبدّل الأسماء، نُدوّر الكراسي، نُعيد الحفل… والديمقراطية تقف هناك، تضحك في الزاوية!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.