هي ليلة استثنائية بيضاء، دوّى فيها اسم المغرب في كل الصحف العالمية، حين تُوّج المنتخب المغربي لأقل من عشرين عامًا بطلاً لكأس العالم في تشيلي بعد فوزه المستحق على الأرجنتين بهدفين نظيفين من توقيع اللاعب ياسر زبيري.
لم يكن الأمر مجرد إنجاز رياضي عابر، بل دشن تحوّلًا رمزيًا كبيرًا جعل العالم يعيد النظر في خريطة كرة القدم، ويقرأ في التجربة المغربية درسًا في البناء والهوية واستشراف الأمل.
منذ صافرة الحكم الإيطالي في ملعب سانتياغو، توالت العناوين المبهجة عبر العالم: من رويترز التي كتبت "المغرب يحقق أول لقب عالمي في تاريخه بعد فوزه على الأرجنتين"، إلى ESPN التي وصفت الحدث بأنه "هزة أرضية كروية جميلة"، مرورًا بالصحيفة الفرنسية "ليكيب" التي تحدثت عن "نضج جماعي يفوق العمر الحقيقي للاعبين".
لم يكن في الأمر مصادفة، فالمغرب لم يدخل البطولة كمرشح للفوز، بل كحلم متواضع يسير بخطى واثقة نحو المستحيل. لكن ما حدث كان انعكاسًا لبنية رياضية صلبة، لمشروع وطني بدأ منذ سنوات بتشييد أكاديميات التكوين، وتطوير البنية التحتية، وتوحيد فلسفة اللعب من الفئات الصغرى إلى المنتخب الأول.
جل الصحافة العالمية رأت في هذا الفوز أكثر من مجرد كأس. لقد رأت فيه، كما كتب موقع "كاف أون لاين"، "تتويجًا عربيًا وإفريقيًا مشتركًا"، حيث صار المغرب أول دولة عربية تتربع على عرش بطولة العالم للشباب. كانت العبارات التي استخدمتها الصحف تعبّر عن شيء أكبر من كرة القدم: عن فخر قارة طالما انتظرت لحظة كهذه، وعن شباب عربي رأى في نجوم المغرب صورة لأحلامه المؤجلة.
غير أن التغطية الإعلامية لم تقتصر على الاحتفال. فمقالات أخرى، مثل تلك المنشورة في "فوت أفريكا" و"فيفا دوت كوم"، قدّمت قراءة أكثر عمقًا حيث تحدثت عن قصة بناء طويلة، عن مشروع رياضي بدأ من الأحياء الشعبية في الدار البيضاء ومراكش وطنجة والرباط، عن مدرب شاب هو محمد وهبي استطاع أن يجمع بين الانضباط التقني والرؤية التربوية، وعن لاعبين ولدوا في مدارس الأحياء الفقيرة ثم عبروا القارات إلى تشيلي ليكتبوا أسماءهم في سجل تاريخ كرة القدم بمداد من الفخر.
قال أحد المحللين في موقع "فوت أفريكا": "هذا الجيل لم يفز بالكأس فقط، بل غيّر نظرة العالم لإفريقيا". وهي عبارة تلخّص ما شعرت به الصحافة الدولية كافة حيث أن المغرب لم يكن مجرد ممثل لبلد، بل لقارة كاملة ظلت تبحث عن صوتها في ملاعب العالم.
في المقابل، لم يغب الحس الواقعي عن تلك المقالات. بعض الصحف الأوروبية، على غرار الغارديان، تساءلت: هل يستطيع المغرب الحفاظ على هذا الزخم؟ وأشارت إلى ضرورة استثمار هذا الفوز في التعليم الرياضي، والاحتراف، والتوازن بين النجومية والانضباط. فالإنجاز العظيم، في نظرها، قد يتحوّل إلى عبء إن لم يُستثمر جيدًا. لكن أغلب المقالات أجمعت على أن ما فعله المغرب في تشيلي هو أكثر من نتيجة رياضية، إنه إعلان عن ولادة جيل جديد مفعم بالتفاؤل بعيد عن عدمية جيل (زد) يؤمن بالعمل والتخطيط والمواهب المحلية.
من زاوية أخرى ثقافية، يمكن قراءة هذا الفوز كأسطورة رمزية عن الهوية المغربية الحديثة. منتخب مكوّن من أبناء مدن وجهات مختلفة، بعضهم من أصول أمازيغية أو صحراوية أو إفريقية جنوب الصحراء، لكنهم اجتمعوا تحت علم وشعار واحد. إن هذا التنوع الذي لاحظته الصحافة الفرنسية والأميركية على حد سواء اعتبر رمزًا لمغرب متعدّد، منفتح، وواثق في ذاته. وهنا تتجاوز الرياضة حدودها لتصبح لغة عالمية تروي قصة بلد يعرف كيف يحوّل تحدياته إلى فرص واعدة.
لقد كانت عناوين الصحف الكبرى بمثابة مرآة لهذا التحوّل: “المستقبل في إفريقيا”، كتبت فوت أفريكا، و “من الدار البيضاء إلى تشيلي: حكاية الحلم المغربي” عنونت جريدة لوموند أحد تقاريرها. أما الصحف الإسبانية فقد ربطت بين الإنجاز الرياضي والنجاح التنظيمي الذي يستعد به المغرب لاحتضان كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، معتبرة أن “فوز الشباب هو برهان على جاهزية بلد يربط بين التقاليد والطموح".
في الختام وفي التحليل النهائي، بدا أن كل صحيفة كتبت عن معجزة المغرب بلغة مختلفة لكنها عبّرت عن الشعور نفسه: الإعجاب والانبهار. من رويترز إلى بي بي سي، من "ليكيب" الفرنسية إلى الغارديان، الجميع أدرك أن ما حدث في تشيلي ليس فوزًا عادياً، بل حدثًا ثقافيًا واجتماعيًا بقدر ما هو رياضي. فجيل الشباب المغربي أثبت أن الحلم حين يُزرع بالجدّ والمثابرة والتخطيط العلمي يمكن أن يثمر مجدًا وطنياً يتردد صداه عبر القارات.
وهكذا، صار فوز المغرب بكأس العالم للشباب 2025 جزءًا من الذاكرة العالمية لأنه قدّم للعالم درسًا في أن فاكهة المجد لا تقتطف فقط بالحلم، بل يُبنى بالصبر، والتكوين، والإيمان. ومن هنا يمكن أن نختم، مثلما كتبت صحيفة فرنسية: المغرب لم يفز بالكأس فحسب، بل فاز بمكانة رفيعة في تاريخ الإنسانية.