: آخر تحديث

هل يمكن للقمع أن ينقذ نظام الملالي؟

0
0
0

في خضم موجة جديدة من الإعدامات الجماعية التي حولت سجون إيران إلى مسالخ بشرية، تعيش البلاد على وقع صراع مفتوح بين آلة الموت التي يقودها نظام الملالي، وصوت الحرية الذي يعلو من داخل الزنازين نفسها.

منذ أسابيع، اهتزّت الساحة الإيرانية بخبر إضراب أكثر من 1500 سجين محكوم بالإعدام في سجن قزلحصار، والذين رفضوا الصمت أمام مصير محتوم ينتظرهم على حبال المشانق. هذا الإضراب الذي استمر أسبوعًا كاملًا انتهى بإعادة ستة سجناء من الزنازين الانفرادية كانوا على وشك الإعدام، وأجبر النظام على التراجع مؤقتًا تحت ضغط الاحتجاجات داخل السجن وخارجه.

لكن النظام، كعادته، حاول تبرير تراجعه بأسلوبه المألوف، إذ زعم ممثل القضاء أن «الإضراب من تدبير منظمة مجاهدي خلق»، في محاولة يائسة لتشويه الحركة الاحتجاجية وربطها بالمقاومة المنظمة ضد حكم الملالي. غير أن هذا الاتهام كشف حقيقة عميقة: أن روح المقاومة التي حاول النظام خنقها منذ أربعة عقود ما زالت حيّة، تنتقل من جيل إلى جيل، ومن زنزانة إلى أخرى.

من «لا للإعدام» إلى انتفاضة داخل السجون
انطلاقًا من تلك الشرارة، امتدت الحركة لتتحول إلى حملة وطنية غير مسبوقة: «ثلاثاء لا للإعدام»، التي بدأت كتحرك محدود في بعض الزنازين، ثم سرعان ما تحولت إلى رمز للأمل والمقاومة.

السجناء الذين كانوا يظنون أن مصيرهم قد كُتب سلفًا، وأنهم كـ«العصافير التي تُغتال فجرًا»، أدركوا فجأة أنهم يملكون أجنحة يمكن أن تكسر جدران الخوف. بإصرارهم الجماعي وصمودهم الإنساني، أوقفوا آلة الإعدام ولو مؤقتًا، وأثبتوا أن الاحتجاج يمكن أن يُجبر الجلاد على التراجع.

اليوم، بعد مرور تسعين أسبوعًا على انطلاق حملة «ثلاثاء لا للإعدام»، تمتد هذه الحركة إلى 52 سجنًا في عموم البلاد، حيث يواصل السجناء اعتصاماتهم وإضراباتهم الأسبوعية رفضًا لعقوبة الإعدام.

وفي أحدث بيانات الحملة، التي تزامنت مع اليوم العالمي ضد الإعدام (22 مهر 1404)، أعلن السجناء في سجن قزلحصار تضامنهم مع رفاقهم في عشرات السجون الأخرى، مؤكدين أن «الإعدام جريمة، لا عقوبة»، وداعين العالم إلى التحرك العاجل لوقف هذه الجرائم التي باتت تُرتكب باسم القانون.

نظام يقوم على الدم والإرهاب
لقد بُني نظام الملالي منذ استيلائه على الحكم عام 1979 على ركيزتين:

الأولى، تصدير ما يسمى بالثورة، والتي في حقيقتها تصدير للإرهاب وتأجيج للحروب في المنطقة. وقد تفاخر أحد جنرالات النظام مؤخرًا بأنه «شكّل ستة جيوش خارج حدود إيران» واحتل خمس عواصم عربية.

أما الركيزة الثانية، فهي القمع الوحشي في الداخل، الذي يعتمد عليه النظام للبقاء بعد تراجع نفوذه الإقليمي وانهيار أذرعه الخارجية.

في الداخل، اتخذ النظام الإعدام أداة حكمٍ وسيطرة، من مجزرة عام 1988 حين أُعدم نحو 30 ألف سجين سياسي — أغلبهم من أنصار منظمة مجاهدي خلق — وحتى موجات الإعدامات اليومية التي طالت في الأشهر الأخيرة أكثر من 1000 شخص خلال ستة أشهر فقط. لكن المفارقة أن آلة الموت هذه بدأت تواجه مقاومة غير مسبوقة من داخل جدران السجون نفسها.

السجناء الذين كسروا الصمت
إنَّ ما بدأ كإضراب محدود في سجن قزلحصار تحوّل إلى حركة وطنية إنسانية. فحملة «ثلاثاء لا للإعدام» لم تعد مجرد احتجاج داخل السجون، بل باتت نداءً عامًا يتردد صداه في الشوارع، في الجامعات، وفي قلوب الأمهات اللاتي يقفن كل ثلاثاء أمام بوابات السجون وهن يصرخن: «لا تعدموا أبناءنا!».

هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل من تجربة حقيقية علّمت السجناء أن الخضوع ليس قدرًا، وأن التضامن أقوى من الجلاد. لقد فهموا أنهم، حتى وهم في أضيق الزنازين، أحرار حين يرفضون الخوف.

هل يمكن للقمع أن ينقذ النظام؟
اليوم، بعد أن خسر الملالي معظم أذرعهم الخارجية وفقدوا هيبتهم في الداخل، لم يبقَ لهم سوى سلاح واحد: القمع والإعدام. لكن تجربة الأيام الأخيرة تثبت أن هذا السلاح لم يعد فعالًا.

فكلما اشتد القمع، ارتفعت الأصوات بالرفض؛ وكلما سقطت ضحية على حبل المشنقة، وُلد في المقابل مئات ممن يهتفون «لا للإعدام».

لقد أراد النظام أن يجعل الإعدام أداة للترهيب، فإذا به يحوّله دون قصد إلى وقودٍ لانتفاضةٍ جديدة. وما بين زنازين قزلحصار، وأمهات المحكومين بالإعدام أمام البرلمان، وحناجر السجناء التي تردد «نه به إعدام» — أي «لا للإعدام» — تتشكل ملامح إيران القادمة: إيران حرّة، بلا إعدام، بلا ملالٍ، وبلا خوف.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.