: آخر تحديث

‏طهران تلوّح بـ”خطوطها الحمراء”: هل يعود العراق ساحة صراع إيراني أميركي؟

2
2
2

‏السياسة الإيرانية تجاه العراق، على ضوء التحذير الأخير من رئيس هيئة الأركان الإيراني حول “مخطط أمريكي لاحتلال العراق”، تعكس تحوّلاً نوعياً في الخطاب الإيراني ينطوي على تصعيد سياسي وأمني يخدم أهدافاً متعددة، سواء في المشهد العراقي أو الإقليمي.

‏ أبعاد التحذير الإيراني
‏هذا التصعيد في الخطاب الرسمي جاء بالتزامن مع زيادة التحركات الأمريكية العسكرية في غرب العراق وشمال سوريا، وظهور مؤشرات لإعادة تموضع للقوات الأمريكية في إطار استراتيجيات “إعادة الانتشار التكتيكي” من أجل مراقبة النفوذ الإيراني وتحجيمه. وترى طهران أن أي تعزيز للوجود الأمريكي في العراق يشكل تهديداً مباشراً لمجالها الحيوي، لأن العراق يمثل عمقاً استراتيجياً للأمن القومي الإيراني، وشريكاً محورياً أمنياً واقتصادياً.

‏ الحفاظ على النفوذ
‏تسعى إيران إلى ضمان التنفيذ الكامل للاتفاقيات الأمنية الموقعة مع بغداد، خاصة اتفاقية مارس 2023، التي تقضي بضبط الحدود ومواجهة الجماعات المعارضة لإيران داخل العراق. وتعد أي إخلال بها أو تهاون من بغداد مدخلاً لتهديد الأمن القومي الإيراني يسمح بتكرار التدخل العسكري المباشر داخل الأراضي العراقية لضرب معارضيها، مما يشير إلى أولوية الملف الأمني في سياسة طهران الإقليمية.

‏ خطاب الضغط المزدوج
‏التحذير الإيراني لا يستهدف فقط واشنطن، بل يعد رسالة ضغط مزدوجة موجهة للحكومة العراقية تدعوها لتقليص مستوى تعاونها الأمني مع الولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته يهدف إلى طمأنة الرأي العام الإيراني بأن القيادة تتابع الملف العراقي باعتباره “خطاً أحمر”. هذه الإستراتيجية تسعى بها إيران إلى ضبط سلوكيات القوى السياسية والفصائل العراقية الحليفة، بحيث تبقى ضمن مسار لا يهدد الاستقرار الداخلي الإيراني أو مصالحها الإقليمية.

‏المخاوف من فقدان العراق ‏كقاعدة إقليمية
‏على خلفية تغيّر موازين القوى بعد تراجع النفوذ الإيراني في سوريا واشتداد الضغط الإسرائيلي والأمريكي، بات العراق يمثل ـ في تقدير النظام الإيراني ـ القاعدة الأخيرة المتبقية له في المجال العربي. تحرص طهران على منع تكرار سيناريو فقدان سوريا أو “تأثير الدومينو” الذي قد يضعف محور المقاومة ويهدد بارتداد الأزمة إلى الداخل الإيراني.

‏ ازدواجية الرسائل: شراكة أمنية أم ساحة صراع
‏العراق ليس فقط ممرّاً أو ساحة صراع، بل نقطة ارتكاز رئيسية للمشروعين الإيراني والأمريكي في المنطقة. لذلك، تفضل إيران إبقاء العراق “في الوسط” ـ لا ينجرف لمحور واشنطن، ولا يسمح للأطراف الداخلية بتقويض النفوذ الإيراني، وتسعى دوماً لتذكير بغداد أن أي تحرك منفرد يخل بالتوازن سيقابله رد حاسم من طهران.

‏التحديات المستقبلبة
‏في ضوء التحولات العسكرية الأمريكية، تصر طهران على مراقبة أي إعادة انتشار أمريكي في العراق. وترى أن انسحاب واشنطن الفعلي أو فقدانها القدرة الاستخباراتية يخلق فراغاً يزيد من نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لها، ويهدد بتدهور التوازنات الداخلية، ما يضع الحكومة العراقية أمام معادلة معقدة: الاستمرار في الشراكة مع الولايات المتحدة دون استفزاز إيران، وحماية السيادة العراقية دون الانجراف إلى صراع المحاور.
‏السياسة الإيرانية تجاه العراق في المرحلة الحالية توازن بين تصعيد الخطاب الأمني، وتعزيز نفوذها عبر الفصائل والتحالفات، وإبقاء التواصل الاستراتيجي مع بغداد لضمان عدم تحوّل العراق قاعدة متقدمة للمشروع الأمريكي، في لحظة تصاعدية لمواجهة محتملة قد تحدد ملامح النظام الإقليمي الجديد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.