: آخر تحديث

وزير التربية وآخر الدواء.. الكيّ!

1
1
1

أؤمن بأن الدول تُبنى بالمهندسين، كما في الصين، والعقول تُبنى بالمبدعين، كما في أمريكا وغيرها، ولكن المهندس والتربوي، المعني في هذا المقال، لم يفلح في أداء المهمتين.

* * *

أعلن وزير التربية، المهندس جلال الطبطبائي، في بداية الموسم الدراسي أنه قام بتكليف 150 من «خبراء التعليم» –هذا على افتراض وجودهم بيننا– الذين غالباً لم يسمع الكثيرون بأسمائهم، للقيام بتطوير المناهج. لم يكن أمامه إلا ثلاثة أو أربعة أشهر للقيام بمهمة مستحيلة، فكان لا بد من «السلق» بدلاً من الطبخ المتأنِّي، وكان الفشل بانتظاره، مادةً وجودةً وتوقيتاً، فلا يزال الآباء والمعلمون بانتظار طباعة بقية الكتب، بخلاف الكم الكبير من المثالب السياسية والفنية واللغوية والأخطاء المطبعية، التي تضمنها المنهج الجديد، كانت موضوعاً للسخرية والتندُّر. ورداً على ذلك اجتمع الوزير بالمعلمين في جمعيتهم، وذكر أموراً يكفي، بتقديري، البعض منها فقط لإعفائه من مسؤولية تربية النشء، المهمة الأكثر خطورة في تاريخ أية أمة، فقد ذكر مثلاً بأن من قاموا بتأليف المناهج –وليس فقط تعديلها– عملوا 17 ساعة في اليوم، وهذه بحد ذاتها مخالفة قاسية، فالهدف لم يكن حتماً بذل أقصى الجهود، بل الخروج بمادة جديدة تصلح لعقول طرية. وبالتالي كان شبه «إجبار» هؤلاء على العمل المرهق قراراً افتقد للمنطق، ونعرف السبب وراء ذلك.

فاجأ الوزير الحضور، في ذلك الاجتماع، بقوله إنه جارٍ تطوير نظام النقل الإلكتروني «للمعلمين» من قبل «شركة عالمية»... مجاناً!! فهل هناك في عالم اليوم من يقوم بمثل هذه المهمة مجاناً؟ وماذا لو نتجت أخطاء جسيمة، مالية واجتماعية، من ذلك النظام، هل ستتم محاسبة من قدم خدمة مجانية؟!

كما استهجن الوزير الحكم أو الطعن «المتسرِّع» في كفاءة المناهج، قبل تجربتها! وقد ردت الأستاذة سعاد المعجل، عليه بتغريدة موفقة، قالت فيها: «إن مناهج التعليم لا يخضع وضعها لمنطق التجربة والخطأ، بقدر ما هي نتاج عملية تقييم تراكمية تحكمها أمور أكاديمية، واستقصائية، ليس من ضمنها الحظ أو التجربة»!

تجربة المناهج ليست كتجربة الأدوية الجديدة، مثلاً، والتي يتم أولاً تجريبها على «الفئران»، ثم على متطوعين، وانتظار فترة لمعرفة آثارها الصحية والجانبية، فالتجربة والخطأ لا يطنبقان على المناهج ولا على تربية العقول، من خلال إمطارها بكمٍّ من الكتب، وملاحظة تأثيرها في عقولهم بعد عشر سنوات، ويكون الوقت قد فات لتلافي أضرارها، إن كانت التجربة فاسدة.

كما رفض الوزير مبدأ تعيين من لديه ملف في «الطب النفسي» في المراكز الإشرافية، لكنه، بالتبعية، لم يرفض تعيينهم معلمين لأبنائنا؟ علماً بأنه ليس كل من لديه ملف نفسي «لا يصلح» لأية وظيفة!

وفي تصرف دل على قلة الخبرة، وفي تناقض كامل مع سابق أهدافه، قام بإلغاء مركز تطوير التعليم، بدلاً من انتشاله من كبوته، وبيّن ذلك على عدم إيمانه بحاجة التعليم إلى التطوير... أصلاً.

بسبب ضيق مساحة المقال، واحتراماً لشخص الوزير المعني، لا نريد التطرق لما صدر عنه من كلمات غير مقبولة مطلقاً بحق الزوجات ومرضى السرطان، ومن لهم ملفات في مستشفى الطب النفسي، وبحق كل من سبقوه في منصبه، ولا حتى لقوله: «نريد نرجع الكويت رقم واحد غصباً على أي بني آدم»، وهي جملة غير مناسبة، ما كان يجب صدورها عن «وزير تربية»، وفي مكان عام، بل نود أن نذكره بأن «التعليم الجيد» ليس عجلة مطلوب اختراعها، بل نظام موجود لدى دول عدة رائدة، كسنغافورة والدول الإسكندنافية، كالسويد وفنلندا، وكل ما هو مطلوب هي الاستعانة بإحداها، أو أفضل ما فيها، كلها، وتعديلها لتصبح ملائمة لبيئتنا.

* * *

قالت العرب قديماً: «آخر الدواء، أو العلاج، الكي»... أو الإعفاء.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد