فيصل الشامسي
في زمن أصبحت فيه المنصات الرقمية فضاء مفتوحاً للتفاعل والتأثير وصناعة الرأي العام، لم يعد الأمن المجتمعي يقتصر على حماية الحدود المادية، بل أصبح يشمل حماية العقول والمعلومات و«الفضاء الرقمي» من الانفلات والتضليل، وفي هذا الإطار، تأتي منصة «آمن» مبادرة إماراتية رائدة تجسد رؤية استشرافية متكاملة لبناء مجتمع رقمي آمن، قائم على الوعي والمسؤولية المشتركة بين المؤسسات الإعلامية والمجتمع.
تأتي منصة «آمن» ضمن رؤية إعلامية إماراتية شاملة يقودها مجلس الإمارات للإعلام، تستشرف المستقبل عبر 3 مسارات متكاملة، تنطلق من تمكين الإعلام من توظيف التكنولوجيا المتقدمة كالذكاء الاصطناعي لتحليل ورصد المحتوى بفاعلية، والإسهام نحو تعزيز الشراكة بين المؤسسات والمجتمع في ضبط المعايير الأخلاقية للمحتوى، ووضع استراتيجيات لبناء كفاءات وطنية إعلامية تمتلك مهارات التفكير النقدي والوعي الرقمي، وتؤمن بأن الإعلام رسالة ومسؤولية لا مهنة فقط.
لقد أكد معالي عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام، أن القيادة الحكيمة في دولة الإمارات تولي الإعلام أولوية استراتيجية، بوصفه شريكاً في التنمية وصوتاً للهوية الوطنية، وهذه الرؤية المتقدمة تنطلق من إدراك عميق بأن الإعلام لم يعد ناقلاً للحدث فحسب، بل أصبح صانعاً للوعي ومؤثراً في الاتجاهات والسلوكيات.
ومن هنا فإن تطوير بيئة إعلامية مسؤولة ليس ترفاً تنظيمياً، بل هو ركيزة من ركائز الأمن الوطني الشامل، حيث تُعد جودة المحتوى الإعلامي مؤشراً على نضج المجتمع وثقافته الرقمية، ويشكل إطلاق منصة «آمن» تحولاً نوعياً في فلسفة إدارة الإعلام في دولة الإمارات، إذ تعيد تعريف العلاقة بين المجتمع والمؤسسات الإعلامية من علاقة استهلاكية إلى شراكة رقابية بناءة، فالمنصة تمكن الأفراد من الإسهام في رصد المحتوى المضلل أو غير الآمن، بما يعزز ثقافة «المواطنة الرقمية» التي توازن بين حرية التعبير والمسؤولية المجتمعية.
إن تمكين المجتمع من حماية فضائه المفتوح، والإبلاغ عن المحتوى المشبوه، يمثل رؤية عصرية تتناغم مع توجهات الدولة في تمكين الإنسان كـ«شريك في التنمية وصانع للأمن الفكري المجتمعي»، لا مجرد متلقٍ أو مراقب، حيث يصبح كل فرد خط دفاع أول في مواجهة التضليل والأخبار الزائفة.
لقد أدركت دولة الإمارات مبكراً أن حروب المستقبل هي حروب معلوماتية وفكرية، تخاض عبر المحتوى والخطاب الإعلامي، ومن هذا المنطلق، تُعد منصة «آمن» إحدى أدوات الوقاية الذكية من التضليل الرقمي، حيث توظف آليات التبليغ المجتمعي والرصد المنهجي لتعزيز الثقة في الفضاء الإعلامي.
وحيث إن تنامي المحتوى الزائف والمضلل بات يشكل تهديداً للأمن الاجتماعي والفكري، لما له من أثر في تشويه الوعي وبث الفتن والإشاعات، تأتي أهمية الرصد المجتمعي الذي توفره المنصة الجديدة، كأداة ذكية تعزز قدرات الدولة على حماية المجال العام من التشويه المعلوماتي، فمكافحة الأخبار الزائفة لا تتم فقط بالتشريعات، بل ببناء وعي جمعي يميز بين المعلومة الموثوقة والدعاية المضللة، وهنا تتجلى ريادة الإمارات في الدمج بين التقنية والمسؤولية المجتمعية لإنتاج نموذج عالمي للأمن المعلوماتي الإنساني.
في عالم متسارع التغيرات لم يعد الأمن المجتمعي يتحقق بالأنظمة وحدها، بل بوجود مجتمع واعٍ ومسؤول رقمياً. ومن هنا فإن منصة «آمن» لا تقتصر على كونها قناة تبليغ أو رصد، بل هي منظومة تثقيفية تعيد صياغة العلاقة بين الفرد والمعلومة، وتغرس في الأجيال القادمة قيم التحقق، والمسؤولية، واحترام الحقيقة.
إن منصة «آمن» ليست مجرد مبادرة رقمية، بل تجسيد عملي لرؤية الإمارات في بناء المستقبل الآمن للإنسان والمجتمع، وهي مدرسة وطنية لتربية الوعي، ترسخ أن «المحتوى مسؤولية»، وأن بناء الوطن يبدأ من صون فكر الإنسان من التضليل والعبث المعلوماتي الرقمي.
إن هذا النهج يجسد التزام الإمارات بأن تكون نموذجاً عالمياً في التوازن بين صناعة الكلمة وأمن المجتمع، وبين الإبداع الإعلامي والانضباط القيمي، فمن خلال الجمع بين المشاركة المجتمعية والرقابة الذكية، وبين القيم الوطنية والتقنيات المتقدمة، تؤكد الإمارات أن الأمن الإعلامي هو حجر الأساس نحو ترسيخ الوعي الوطني. وفي ظل التحولات العالمية المتسارعة، يبرز النموذج الإماراتي كمنارة في إدارة الفضاء الرقمي بمسؤولية وقيم إنسانية.

