: آخر تحديث

انتخابات فرعية تغيّر المشهد السياسي البريطاني

2
2
2

ظلت دائرة كايرفيلي في ويلز، معقل حزب العمّال، لأكثر من قرن، حصناً سياسياً في قلب الطبقة العاملة، ومن الإمارة جاء ساسة تاريخيون مثل رئيس الوزراء الأسبق جيمس كالاهان، ورئيس المفوضية الأوروبية الأسبق روي جينكينز. ومنذ 1918، حافظ العمال على الدائرة، متحدّين تقلبات التاريخ، كالحروب وفترات تراجعهم خلال حكومة مارغريت ثاتشر، وتصويت «بريكست»، واكتساح المحافظين انتخابات 2019. هذا الأسبوع مُنيَ العمّال بهزيمة كارثية بخسارتهم الدائرة في الانتخابات الفرعية للسينيد (برلمان ويلز).

فاز ليندسي ويتل، ممثل حزب القومي الويلزي «بلايد كامري» بـ47.4 في المائة من الأصوات. وجاء حزب «الإصلاح» في المركز الثاني (36 في المائة)، وتراجع العمّال إلى المركز الثالث (11 في المائة ) -أدنى نسبة يحصلون عليها في الدائرة في تاريخهم. أما المحافظون، فقد انهاروا إلى 2 في المائة، في أسوأ نتيجة لهم في تاريخ المنطقة. نسبة المشاركة بلغت 50.43 في المائة، وهي مرتفعة بالنسبة إلى انتخابات فرعية، دلالةً على غضب الناخبين، فبدل اللامبالاة التقليدية بعثوا برسالة قوية إلى المؤسسة الحاكمة.

«بلايد كامري» و«الإصلاح» حصدا 83 في المائة من الأصوات، فيما بلغ نصيب الحزبين التقليديين في وستمنستر -«العمّال» و«المحافظين»- 13 في المائة، فيما يبدو إعادة تشكيل للمشهد السياسي. هيمنة حزب «العمّال» المستمرة على ويلز، منذ إنشاء البرلمان الويلزي عام 1999، تبدو هشّة بعد خسارتهم الحصن الآمن (كايرفيلي).

تتعدّد التفسيرات؛ قد يكون التصويت تكتيكياً. ناخبو العمّال مستاؤون من أرقام الهجرة المتصاعدة -تجاوز عدد مهاجري القوارب في أقل من 10 أشهر أرقام العام الماضي كله- ومن انهيار صناعة الصلب في ويلز، ومن مشروع السكة الحديدية السريعة الجديدة، معتقدين أنه يفيد إنجلترا على حساب ويلز، والتصويت لـ«بلايد كامري» بوصفه خياراً أقل سوءاً من «الإصلاح». وهناك من يرى أن «بلايد كامري» في حالة صعود حقيقي، خصوصاً بتركيز حملتهم على قضايا محلية، ومتجذّرة في الهوية الويلزية، التي لوَّح بها ويتل في 13 حملة انتخابية سابقة، ودعا إلى «ويلز جديدة» في خطبة الفوز.

وإذا استمر هذا الزخم حتى انتخابات البرلمان الويلزي في مايو (أيار) القادم، فغالباً سيهيمن التيار القومي على الإمارة، مثل حال الحزب القومي في اسكوتلندا.

أما «الإصلاح»، فارتفع عدد أصواته من 495 في انتخابات 2021 إلى أكثر من 12 ألف صوت. لكنه لم يفز، رغم حضور زعيمه نايجل فاراج، وحملة ممولة جيداً، وصعوده في استطلاعات الرأي. فهل هذه أول إشارة إلى أن زخم «الإصلاح» له حدود؟ أم أن الناخبين اتّحدوا تكتيكياً لعرقلته؟

وإذا أصبح التصويت التكتيكي توجّهاً على مستوى بريطانيا كلها فقد يُحاصر «الإصلاح» -ليس بسبب برامجه، بل لهذه الاستراتيجية. ومع ذلك، فلا يمكن تجاهل صعوده. فقد انتقل من الهامش إلى منافسة الحزبين الكبيرين في أربع سنوات فقط. وإذا استمر «العمّال» و«المحافظون» في فقدان الناخبين فقد تتمكّن أحزاب مثل «الإصلاح» و«الليبراليين الديمقراطيين»، والأحزاب القومية في ويلز واسكوتلندا من اقتطاع حصص كبيرة من مقاعد وستمنستر.

إذا ما جرى إسقاط هذه النتائج على باقي دوائر ويلز، فإن شكل البرلمان الويلزي في مايو المقبل سيكون مختلفاً تماماً. هيمنة حزب العمّال ستتلاشى. وقد يقود «بلايد كامري» ائتلافاً -أو حتى يحكم بمفرده. وقد يدخل حزب «الإصلاح» البرلمان الويلزي لأول مرة، مما سيُعيد تشكيل السياسة الويلزية بصبغة شعبوية. أما بالنسبة إلى «المحافظين»، فتكرار نتيجة كايرفيلي الكارثية في مايو القادم سيشعل تحدّياً لزعامة كيمي بيدنوك.

وبالنسبة إلى رئيس الحكومة كير ستارمر، فالوضع أسوأ. تأتي هذه الخسارة في وقتٍ ترتفع فيه أرقام الهجرة، ويُخيّب التضخّم الآمال، ويحتجّ نواب البنشات الخلفية على اقتراح تعديلات الضرائب والرعاية الاجتماعية. مهاجمة ستارمر «الإصلاح» في مؤتمر الحزب لم يُجدِ نفعاً -فقد فرّ الناخبون العمّاليون على أي حال. وإذا خسر «العمال» البرلمان الويلزي في مايو فإن الهمسات حول استبدال ستارمر ستتحول إلى هتاف.

قد لا تعكس كايرفيلي صورة بريطانيا بأكملها -لكنها تُلمّح إلى تفكير جديد في المشهد السياسي. الناخبون لم يعودوا أوفياء. إنهم تكتيكيون، غاضبون، ومستعدّون لتغيير ولائهم. وإذا انتشر هذا النمط، فقد ينهار احتكار الحزبين الكبيرين. وقد لا تفوز أحزاب مثل «الإصلاح»، و«بلايد كامري»، و«القوميين الاسكوتلنديين»، و«الليبراليين الديمقراطيين» بالأغلبية -لكنها قد تُصبح صانعة حكومات. وربما يكون هذا هو جوهر القصة. ليس فقط انهيار حزب العمّال، بل نهاية التوقّعات التقليدية. الناخبون في حالة غليان. القواعد القديمة لم تعد تنطبق. وفي كايرفيلي يبدو أن مستقبل السياسة البريطانية بات أكثر ويلزيةً من أي وقت مضى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد