بعد إصرار، دام 46 عاماً، على ضرورة ارتداء المرأة للحجاب، علقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الأمر، بطلب من رئيس الجمهورية. وبالتالي أصبح ارتداؤه اختيارياً، ولن تُفرض على من لا ترتديه أي غرامات أو عقوبات، وأصبح مصير مئة ألف، ممن كانوا يراقبون تنفيذه، في مهب الريح.
يأتي هذا القرار ليمثل تحوُّلاً عقلانياً وجذرياً مرحباً به، بعد سنوات من الاحتجاجات، والخسائر في الأرواح والممتلكات، وضياع مليارات ساعات العمل في الانشغال بصغائر الأمور، على حساب جبال المشاكل التي تعاني منها الدولة.
في لقاء لرئيس الجمهورية الإيرانية، الإصلاحي مسعود بزشكيا»، الذي أصبح يتمتع بقوة سياسية أكبر ممن سبقه، خاصة بعد الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة الأخيرة على إيران، صرح بأنه يرفض مبدأ فرض ارتداء الحجاب. ودعا إلى الحوار وعدم استعمال العنف أو الإكراه، مشيراً إلى تجربته الشخصية داخل بيته، ورفضه إجبار ابنته على القيام بما لا ترغب. وعلى الرغم من أن أعداداً متزايدة من النساء الإيرانيات أصبحن يخرجن من دون حجاب، فإن القانون يمكن أن يعاد تطبيقه في أي لحظة، ولا تزال هناك قوى محافظة تسعى لذلك.
* * *
تلقت القبس رداً من سفارة الجمهورية الإيرانية، على ما سبق أن أوردته في مقالي المعنون «بشرى الدينار ونصف الدينار» (15–10–2025)، في ما تعلق بتسمّم شخصين في دول خليجية، و«الزعم» بأن ذلك نتج عن «شرب مياهٍ معدنية من إنتاج مصنع إيراني». وإنّ «التحقيقات البدائية» أظهرت أنّ الحادثة «جنائية»، وتقف وراءها «خلافات شخصية»، حيث تمّ «تسميم المياه من قِبل أحد الأفراد عمداً».
نشكر السفارة على جميل ردها والتوضيح، ونشكرها أكثر على اعترافها بصحة واقعة التسمم، وبالتالي ما كتبته لم يكن «زعماً»، بل حقيقة، ونتيجة شرب مياه ملوثة. أما ما تبيّن تالياً، وفق قول السفارة، ولن نقول زعمها، من أن وراء الأمر فعل فاعل، لوجود «خلافات شخصية»، فهذا ما لم نكن نعلم به، عند كتابة المقال، ويجب ألا يغيّر من الأمر شيئاً، خاصة أننا حذرنا في المقال نفسه من استهلاك منتجات دول عدة، ومنها فرنسا.
أما ما جاء في الرد من أن حضور «المنتجات الإيرانية» يمتدّ لعقود في أسواق المنطقة، فهذا صحيح. وزوجتي، التي لا تستسيغ أي فواكه أو خضروات غير لبنانية، لا تترد في استبدال منتجات إيرانية بها، لجودتها وطعمها المقارب جداً للمنتجات اللبنانية، التي أصبحت أخيراً لا أخفي شكوكي في طريقة زراعتها وريها.
أما قول السفارة إن المنتجات الإيرانية تخضع لفحوصات ورقابة صحية دقيقة، فهذا صحيح غالباً، مع تحفظنا على «المبالغة المحببة» في ردها بـ«استحالة» وجود بضائع رديئة الجودة، مصدرها إيران، ولو أنها بالفعل أفضل من تلك، التي تصلنا من دول عربية عدة. نذكّر السفارة بأن المنتج أو المزارع هدفه، أولاً وأخيراً، الربح، وهذا قد يدفع البعض أحياناً للجوء لوسائل غير مشروعة. ولو كانت كلمة «استحالة» صحيحة، لما وقعت أصلاً واقعة التسمم.
على أي حال، زبدة المقال لم تتعلق برداءة المنتجات الإيرانية، بل بأغلبية ما يصلنا من دول محددة، لا نعرف طريقة زراعتها، ولا ريها وتنظيفها. ولو كنت مسؤولاً في هيئة الغذاء لما ترددت في القيام بزيارات تفقدية لبعض الدول، التي نستورد الأغذية، والطازجة منها بالذات، وزيارة مزارع الماشية والدواجن فيها، فالوقاية خير من العلاج.
ولو كنت مسؤولاً في السفارة، وفي هذه الأيام بالذات، لقمت بدعوة عدد من الإعلاميين، وأعضاء من جمعية الصداقة الكويتية – الإيرانية، لزيارة إيران، والاطلاع عن كثب على الجوانب الرائعة فيها.
أحمد الصراف

