محمد ناصر العطوان
إذا سألت أكثر من 70 في المئة من الموظفين عن مديريهم، سيقولون لك «ما يصلح يدير بقالة»!
في ظاهرة عالمية cutting across تتخطى كل الجغرافيا وكل الدول والثقافات، نجد الموظفين دائماً يرون مديريهم «غير كفوئين»! ونحن في هذا المقال نسأل، هل هذا حقيقي، أم مجرد «وهم جماعي»؟ تعالوا أعزائي القراء نفكك هذا اللغز المحير العابر للمحيطات!
لنبدأ من هذا السؤل المهم وهو من أين جاء هذا الاعتقاد؟ وما هي جذور «العداء الإداري» للمديرين؟ في البداية علينا أن نتفق أن هناك فجوة التوقعات، حيث إن الموظف يتوقع مديراً «سوبرمان»، يحل كل المشاكل في ثوانٍ، بينما الواقع يقول إن المدير بشري وعنده مشاكل مع مديره الذي فوقه أيضاً، فتكون النتيجة خيبة أمل من الموظف واتهام بعدم الكفاءة.
كذلك هناك «نظرية المؤامرة» الإدارية، فهناك اعتقاد بأن أي مدير جديد غالباً قد تعين بالواسطة وليس الكفاءة، لأنه من الصعب أن نصدق أن هناك أناساً تتولى المناصب بالكفاءة فعلاً!
لكن الإجابة الأهم عن السؤال الأهم هي عقدة «أنا الأحق»، حيث إن كل موظف يرى أنه يستحق المنصب أكثر من مديره، فيبدأ يلتمس له الأخطاء.
في دراسة عربية صادمة يعتقد 72 في المئة من الموظفين أن مديريهم وصلوا بالوساطة!
الآن عزيزي القارئ، نصل للسؤال الثاني وهو ما مدى صدق هذا الاعتقاد؟ وإلى أي مدى هو بين الواقع والخيال؟
في البداية أيضاً، دعونا نتفق أن هناك حالات يكون فيها الاعتقاد صحيحاً، مثل الوساطة العائلية «ابن العم/الخال» الذي يحمل شهادة تجارة ويدير قسم هندسة! أو المحسوبية السياسية التي تتمثل في تعيينات «الشلة» في مناصب إستراتيجية، والترقيات الزمنية «بالأقدمية» في المؤسسة بدل الكفاءة.
ولكن أيضاً هناك حالات يكون فيها الاعتقاد خاطئ، مثل عدم إدراك صعوبة القيادة، حيث إن الموظف لا يرى الضغوط التي على المدير، وعدم إدارك الموظفين للسياسات العليا الملتزم بها المدير بتعليمات إدارة عليا لا يستطيع تغييرها، وفجوة المعلومات التي تفقد الموظف الصورة الكاملة. وفي دراسة واقعية جداً أظهر استبيان في قطاع النفط الخليجي أن 40 في المئة فقط من الشكاوى على المديرين، مُبررة!
ولكني وأنا أكتب المقال، مازلت أرى القارئ غير مقتنع حتى الآن، ببراءة العديد من المديرين من صفة الغباء وعدم الكفاءة، ومازال السؤال يجول في خاطره وهو لماذا المديرون سبب في تعطيل العمل؟ ولماذا يتحول المدير «أداة إعاقة»؟
عزيزي القارئ الهمام، لا تنسى أن «دورة الموافقات» اللانهائية هي السبب، فرغم أننا في العصر الرقمي، إلا أن أي طلب يحتاج 10 توقيعات و20 ختماً، وهناك العديد من المديرين يسألون أسئلة نظرية ليس لها علاقة بالواقع، ويتدخلون في كل التفاصيل الصغيرة «إدارة الميكرو» حتى يقتلوا الإبداع والابتكار، والعديد منهم يجعلون الموظف يشعر بأنه «روبوت».
وللأسف الشديد «البيروقراطية الوهمية» واخترع إجراءات جديدة من أجل اثبات أهميته، وتحويل العمل البسيط لـ«مشروع قومي»، كل هذه الملاحظات موجودة ونعيشها وهي أحد أهم اسباب اعتقادنا بعدم كفاءة «المديرين».
لكن الخبر الجيد هو أن هناك حلولاً للموظفين للتعايش والتطور، مثل فهم الصورة الكاملة، وتفهم التحديات التي تواجه مديرك، ثم تسأل نفسك «لو أنا في مكانه، شنو راح أسوي»؟
والإجابة عن هذا السؤال تحتاج منك أن تطور مهاراتك ومنها «فن التعامل مع الرؤساء» وأهمية تعلم «الذكاء التنظيمي». كذلك إذا كنت من الموظفين الذين يعتقدون أن كل مديريهم أغبياء، فعليك أن تبحث عن مرشد ومدير سابق ناجح يوجهك، وتأخذ النصيحة منه في كيفية التعامل.
أما أهم الحلول بالنسبة لي، فهي أن تقدم مبادراتك بدل الشكوى. وتقدم الحلول وتأخذ زمام المبادرة في مجالك، مرة ومرتين وثلاثة... في النهاية غير وظيفتك إذا لزم الأمر، إذا كانت البيئة سامة جداً والمدير غبيا فعلاً! ابحث عن فرصة جديدة، فصحتك النفسية أهم من أي وظيفة وأهم من أي مدير.
الآن لم يتبق من المقال سوى تقديم الحلول للمؤسسات في كيفية اختيارها للمديرين الأكفاء! أهم نصيحة هي تغيير قواعد ديوان الخدمة المدنية «الأقدمية» واتباع نظام تقييم موضوعي، وإجراء مقابلات قائمة على الكفاءة، واختبارات قدرات قيادية وتقييم مستمر للأداء السابق.
كذلك من المهم وجود برامج احترافية لإعداد القادة وتدريب مكثف قبل تولي المنصب، أما الخطوة الحاسمة فهي الشفافية في الترقيات وإعلان معايير الترقية بشكل واضح، ومشاركة الموظفين في التقييم أحياناً وفصل غير الكفء بسرعة.
يمكن لنا أن نستفيد من نموذج «شركة زين» و نموذج «هيئة الطرق في دبي» ونموذج «البنك الأهلي المصري».
عزيزي القارئ، المدير الكفء ليس أسطورة، لكنه يحتاج نظاماً يكتشفه، والمشكلة ليست في الأفراد بقدر ما هي في الأنظمة الإدارية. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.

