خالد بن حمد المالك
كشف العدوان الإسرائيلي على لبنان، أن لبنان كان أشبه ما يكون في وضع الدولة المحتلة من قبل حزب الله، بجيش جرار، وأسلحة متطورة، وتنظيم عسكري متقدم، ومساحات من الأرض اللبنانية مُستخدمة من الحزب لصناعته العسكرية، والتخزين، والتدريب، وأن لديه منظومة عسكرية متكاملة تفوق ما لدى الجيش والأمن وبقية الأحزاب اللبنانية.
* *
هذا التخطيط لم يكن هدفه الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل، ولا عن تحرير الأراضي اللبنانية من سيطرة إسرائيل عليها، وإنما كان للهيمنة على القرار في لبنان، وأن تكون الكلمة العليا للحزب، باتجاه أن يكون لبنان دويلة لحزب الله، وهو مشروع مدروس لخطف لبنان من محيطه العربي، وقطع الحبل السري له مع أمته العربية.
* *
أحداث السابع من أكتوبر، كشفت ما كان خافياً، أو سرياً، عن حجم القوة العسكرية الضاربة لدى حزب الله، بتشكيلاته وقياداته وأسلحته الإستراتيجية، فكان أن تبين للبنانيين وغير اللبنانيين أن لبنان كان كأنه مستعمرة لحزب الله، وأن لا قوة لدى اللبنانيين لإزالة هذا الكابوس الذي جثم عليهم سنوات طويلة، وغيَّر وجه لبنان المتسامح الديموقراطي، وبلد الحريات.
* *
إسرائيل قضت على هذه القوة أو تكاد، ولم يعد الحزب بموقع تلك القوة بعد السابع من أكتوبر، بحيث يهدِّد الجميع بأعمال عسكري، أو تهريب للسلاح وزراعة للمخدرات، أو اعتداءات وتفجيرات ضد من يرفع صوته من اللبنانيين ضد السياسة القمعية التي كان يقودها حسن نصر الله أمين عام الحزب.
* *
لكن ما زال هناك بقايا من القوة لديه، غير أنه لم يعد يجرؤ على استخدامها، ولا المحافظة عليها من ضربات إسرائيل، فقد سلَّم أمره للقدر، مستقبلاً هجمات إسرائيل دون رد، ملقياً اللائمة والمسؤولية على الحكومة اللبنانية لتقوم بما كان يجب أن يقوم به الحزب.
* *
وفيما تصر الحكومة اللبنانية على نزع سلاح الحزب لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، يمانع الحزب، مع أنه وافق على اتفاق جمعه بإسرائيل على أن يكون وقف الهجوم الإسرائيلي مشروطاً بتسليم السلاح، ومرهوناً بتجريده من القوة التي كان يتمتع بها، وأن يتحول إلى حزب سياسي بلا سلاح، مثله مثل بقية الأحزاب اللبنانية.
* *
المثير للانتباه، أن حزب الله يرفض تسليم سلاحه، وفي المقابل لا يرد على الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف المواقع العسكرية لديه، فتقتل وتُهدم، وتكون الأسلحة والمصانع ومواقع التدريب تحت رحمة الصواريخ والطائرات والمسيرات الإسرائيلية.
* *
وهذا يقودنا إلى التساؤل: لمن يحتفظ الحزب بهذه الترسانة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، طالما أن الرد بها على إسرائيل وضرباتها غير وارد، أغلب الظن أنه لا يقبل بحصر السلاح بالجيش والأمن بهدف إيذاء الأحزاب الأخرى، وتوظيفها للسيطرة على القرار في لبنان.
* *
وحزب الله بعدم قبوله بقرار الحكومة بنزع السلاح، كخطوة أولى لإيقاف عدوان إسرائيل، وتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة من إسرائيل، يعطي مبرراً للعدو الإسرائيلي للاستمرار في احتلال الأراضي اللبنانية، ومواصلة هجماته على مواقع كثيرة في لبنان، وهو ما لا يغيب عن الذهنية الحزبية والعقدية لدى حزب الله.
* *
ربما أن حزب الله لا يملك القرار في تسليم سلاحه، والقبول بحصر السلاح في الجيش والأمن، وفقاً لما تم الاتفاق عليه مع إسرائيل، فهناك تدخل خارجي، والتزامات لا تجعل حزب الله صاحب القرار في كل ما يصدر عنه، أو يتبناه من سياسات، فمصالحه الخارجية تضغط عليه لعدم القبول بذلك حتى ولو كانت على حساب مصلحة لبنان.
* *
حزب الله مؤدلج، وله علاقات خارجية ليست بالضرورة تراعي مصالح لبنان، وهذا ما جعل لبنان يتغيَّر بسرعة إلى ما هو أسوأ، فَقدْ فَقَدَ السياحة، وانهار الاقتصاد، وانقطعت علاقاته ومصالحه بأمته العربية، وأصبح غريباً في مجتمعه، وما كان هذا ليحدث لولا أن الحزب غرّد خارج عشه، ولم يعد قادراً على أن يعود إليه، حتى ولو كان لحفظ ماء الوجه.

