البعض يرى أن عِلم الاقتصاد علم رياضي جامد، سواء أكان ذلك في قاعات الدرس في المدارس والجامعات وغيرها، أم في ميدان العمل. ذلك أنه مبني على النظريات، والبعض الآخر يراه علماً إنسانياً يصعب وضع القواعد له، أو بالأحرى إن بعض قواعده لا تنطبق في ميدان العمل 100 في المائة، وأنا أميل إلى أنه علم إنساني يصعب ضبط قواعده، فمهما اجتهدت في دراسة الجدوى لمشروع معين، فستجد أثناء التطبيق على أرض الواقع أن هناك جوانب لم تستطع الدراسة الإحاطة بها.
هذا من جانب. أما الجانب الآخر فالاقتصاديون يظهرون أثناء العمل أو التفاوض جادين بشكل صارم، هذا ما يظهر للناس، ولكن واقع الحال، أن المجتمع الاقتصادي مجتمع إنساني يسوده ما يسود المجتمعات الأخرى من الجدّ والهزل والطرفة والنكتة. ولنبدأ مع رجل الأعمال السعودي أحمد بن حمد السعيد، يقول السعيد: «حينما تخرجت في الولايات المتحدة الأميركية بدرجة الماجستير، استهوتني مطاعم الأكلات السريعة، فقررت أن أنقل التجربة للسعودية، وبدأت بتجهيز أول مطعم لـ(هرفي) في الرياض، ومن باب الأدب والذوق ذهبت لوالد زوجتي صالح بن سليمان العمري رحمه الله، وهو رجل تربوي وشغوف بالعلم، وأخبرته بنيتي فتح مطعم أكلات سريعة، يعني ساندويشات». ويستطرد السعيد قائلاً: «حينما أنهيت حديثي، أجابني والد زوجتي ماجستير، وآخر الأمر مطعم ساندويشات!».
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل إن والدته وزوجته كانتا خائفتين من فشل المشروع، وإن لم يظهرا هذا علناً. يستطرد السعيد: «وبعد الافتتاح ومرور أسبوعين، شهد الفرع إقبالاً منقطع النظير، فصحبت والدتي وزوجتي لتشاهدا الطابور المصطف للحصول على وجبة، لتنشأ بعد ذلك شركة كبرى تتوزع فروعها في جميع مدن السعودية، وبعض دول الخليج».
ثم نأتي لرجل الأعمال السعودي إبراهيم بن محمد السعيدان، يقول السعيدان: «بعد أن صعدت أولى درجات سلم تجارة العقار، كنت أوزع إعلاناً ورقياً أمام أبواب المساجد، وكان مضمون الإعلان بيع قطع أراضٍ سكنية، مساحتها 500 متر مربع، وبالأقساط المريحة جداً، مع ذكر أن بعض الخدمات وصلت للحي، لأتفاجأ ذات يوم، وأنا أفتح باب مكتبي بورقة الإعلان، وقد علق عليها أحد الظرفاء بأغنية نجاة الصغيرة (لا لا تكذبي)!».
ونأتي أخيراً لرجل الأعمال السعودي صالح بن عبد العزيز الراجحي رحمه الله، الذي أجرت معه مجلة اليمامة السعودية، حينما كان يرأس تحريرها في ذلك الوقت الدكتور فهد عرابي الحارثي، وكانت واسعة الانتشار في السعودية، لقاءً صحافياً، ووضعت المجلة عناوين ترويجية للمقابلة مع الراجحي في الصحف المحلية. ومن ضمنها: «صالح الراجحي: أملك أسطولاً من الطائرات». ليترقب المجتمع صدور المجلة، ولتتخاطفها الأيدي، ليجد القراء سؤالاً من المجلة؛ هل لديك طائرة خاصة؟ وكان جواب الراجحي: «أملك أسطولاً من الطائرات، فأنا أستطيع أن أشتري تذكرة من الخطوط الجوية السعودية، وأذهب لأي مكان، وهذا هو أسطولي!».
وأخيراً، في رأيكم... هل علم الاقتصاد علم رياضي أم إنساني؟ ودمتم.

