: آخر تحديث

بلادنا .. وكنوز الآثار في كل المناطق

1
1
1

في لقاء قبل 3 أيام مع مجموعة من علماء الآثار السعوديين البارزين يتقدمهم أخي الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد كان الحديث غنيًا عن الآثار في مختلف مناطق بلادنا وأهميتها التاريخية، التي تروي قصة مئات بل آلاف السنين (وبعضها يعود للعصور المتقدمة التي تصل إلى مئات الآلاف وملايين السنين) ولذا تشكل كنوزًا يندر توفرها عمقاً وتنوعاً حتى في دول عرفت طويلاً بأنها مهد للحضارات.

وتمتاز آثار بلادنا أنها تجمع بين الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات، التي سادت ثم بادت في عصور مضت .. وبقيت تلك الآثار في أعماق الصحاري وفي الجبال والوديان وحتى في قيعان البحار فبقيت محفوظة رغم تعاقب الحضارات والأزمنة رغم أن كثيرا منها لم يكتشف.

لكن الدولة السعودية بعد توحيدها اهتمت بالكشف عنها، بداية من عصر الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله الذي بعث المستشارين والخبراء لدراسة بعض المواقع وسمح لبعثات علمية دولية ورحالة بالقدوم وإجراء الدراسات، والأهم أن الدولة شرّعت حماية الآثار ومنع التعدي عليها منذ وقت مبكر، وسار على هذا النهج أبناؤه من بعده فأُسست أول دائرة للآثار 1962.

وصدر نظام للآثار 1972، وكان لخادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز -بصمته المميزة وحرصه الدائم بالآثار والتراث وعنايته الدائمة بالتاريخ والحث على حماية المواقع وتطويرها، ثم تأكد ذلك وتحول إلى مسار واضح ضمن رؤية السعودية 2030 وأضفى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بعداً معرفياً وتأصيلياً عندما ربطها بالهوية الوطنية وما ذكره ولي العهد في لقائه التلفزيوني مع الإعلامي عبدالله المديفر قبل عدة سنوات حول عمق هويتنا ورسوخها، إضافة للبعد الاقتصادي الذي أضافته الرؤية للمواقع الأثرية والذي يضمن استدامتها واستثمارها بالشكل الصحيح.

ومنذ وقت مبكر شمر علماء الآثار السعوديين الذين تم وضع الثقة فيهم والاعتماد عليهم قبل سواهم عن سواعدهم ونزلوا للميدان تحت حرارة الصيف وصقيع الشتاء وعاشوا في العراء وفي الخيام في البدايات، وسادت بينهم وبين من يعملون معهم من العمالة العادية روح التواضع والمودة والرحمة حيث كانوا يقدمونهم على أنفسهم رغم شح الغذاء وإمكانات الراحة ذلك الزمن.

هكذا قال الدكتور سعد الراشد الذي هو ضمن من عمل بيده في تلك الظروف لاكتشاف عديد من المواقع، ما جعله مؤهلًا للحصول على جائزة الملك فيصل العالمية في مجال الدراسات الإسلامية لهذا العام 2025 والدكتور سعد الراشد كما قال عنه زملاؤه ومنهم الدكتور أحمد الزيلعي: "علم بارز وعالم متميز وهب نفسه للعلم وطلبه منذ نعومة أظفاره. عشق التاريخ والآثار فبرز فيها وقد تأهل من جامعة الملك سعود وجامعة ليدز البريطانية وتدرب على التنقيب عن الآثار في الداخل والخارج ".

وكانت كوكبة الآثاريين الحاضرة (والذين يشابهون الأطباء في تنوع تخصصاتهم إذ يركز كل منهم على حقبة زمنية ويتم تعريفه بتخصصه) تتفق على شيء مهم وهو أن الوقت الحالي هو العصر الذهبي للعناية بالآثار والتراث في بلادنا بدعم من القيادة وبذل وعناية من وزارة الثقافة عبر هيئة التراث والهيئات الأخرى.

امتداداً للجهود السابقة التي بذلتها وزارة المعارف ثم هيئة السياحة والتراث الوطني التي أعادت الاعتبار للآثار وحولت النظرة لها من الاندثار إلى الازدهار (كما أطلق عليها الأمير سلطان بن سلمان الذي ترك بصمة مهمة في هذا المجال إبان رئاسته لهيئة السياحة والتراث الوطني)، وأن العناية بمواقع الآثار والتراث في بلادنا لم تعد حكراً على المختصين بل باتت مؤسسية جعلت المشاريع الكبرى تتسابق في تقديم كشوفاتها، والتعامل مع المواقع الأثرية بوصفها إضافة ومحلاً للصيانة والعناية.

فبتنا نسمع عن اكتشافات في نيوم وقبلها في الدرعية والعلا كلها بتعاون بين هيئة التراث والهيئات المشرفة على تلك المشاريع، ولازال الجميع يعرف أن ما تم اكتشافه لا يقارن كماً وأهمية بما يمكن اكتشافه من مواقع تؤكد على أهمية موقع بلادنا في تاريخ الحضارات وأنها كانت منبعاً أو نقطة التقاء لها.

وأخيراً: من كان يُعيّر السعودية بأنها بلاد الصحراء والإبل والبترول عليه أن يدرك أن هذه البلاد لآن لا تعتمد على البترول كمصدر دخل وحيد وإنما لديها كنوز في جميع المجالات على امتداد أرضها الغنية بالله ثم بقيادتها وشعبها، وعلينا نحن كتّاب الرأي ووسائل الإعلام تقديم هذه الكنوز إلى الأجيال الجديدة بأساليب جاذبة ومفهومة لهم لكي يزيد اعتزازهم بها وعنايتهم ومحافظة عليها.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد