: آخر تحديث

سلام الشرق الأوسط.. رهانات مؤتمر باريس

482
521
466

 باسكال بونيفاس

انعقد في باريس يوم الجمعة، 3 يونيو الجاري، مؤتمر دولي سعياً لإعادة إطلاق عملية السلام -ولكن هل ما زال حتى استخدام هذا التعبير نفسه مبرراً أصلاً؟- بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكان الهدف الأول لهذا المؤتمر هو تهيئة الأرضية السياسية، على أساس إطلاق وعود بمساعدة مالية وضمانات أمنية، تمهيداً لعقد مفاوضات مباشرة، في وقت لاحق، بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولحشد دعم دولي مؤثر كان من الضروري أيضاً حضور جون كيري وسيرجي لافروف، وهما على التوالي وزيرا خارجية كل من أميركا وروسيا. وكذلك حضرت فيدريكا موجريني، المكلفة بالدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي، وبان كي مون أمين عام منظمة الأمم المتحدة، إضافة إلى وزراء من الدول الأوروبية والعربية الأساسية. لقد كان الحضور باختصار، مجمع حكماء. ولكن اجتماع كل هذه الشخصيات، وممثلي القوى الكبرى، يخشى أن يكون قد تكشّف، في النهاية، عن فشل ذريع ينضاف هو أيضاً إلى سجل العجز الدبلوماسي المزمن تجاه هذا الصراع المرير.

والحال أن مجرد انعقاد هذا المؤتمر يثير مشاعر متضاربة في كلا الاتجاهين، السلبي والإيجابي. فمن ناحية، يمكننا أن نهنئ أنفسنا على المبادرة الفرنسية، التي ترفض ترك الملف الإسرائيلي- الفلسطيني في حال جمود ومراوحة، ومنطقة ظل. وبكل تأكيد، فالحرب الأهلية الدائرة في سوريا، وتهديد تنظيم «داعش»، يعتبران تحدِّيين استراتيجيين أكثر التهاباً ويتولد عنهما عدد أكبر من الضحايا. ما في ذلك شك. ولكن، على عكس ما تحاول الحكومة الإسرائيلية ومؤيدوها الترويج له، فالمسألة الإسرائيلية - الفلسطينية تبقى، على رغم كل شيء، موضوعاً استراتيجياً مركزياً تتجاوز أهميته بكثير الإطار الإقليمي للصراع.

ولا شك في أن الدبلوماسية الفرنسية تبدو الآن أقل نشاطاً تجاه هذا الملف، مقارنة بفترات ماضية. وهذا التحول أو التراجع في الدور الفرنسي ليس فقط لاحقاً لانتخاب نيكولا ساركوزي، الذي ما فتئ يعلن بصراحة وقوة أنه يعتبر نفسه صديقاً لإسرائيل. كما أن تقلص الدور لم يظهر أيضاً في عهد فرانسوا أولاند الذي تراجع عن وعده الانتخابي بالاعتراف بدولة فلسطين. بل إن تراجع الدور الفرنسي سابق على هذا وذاك، ويعود تحديداً إلى الفترة الأخيرة من ولاية الرئيس الأسبق جاك شيراك. فقد فوجئت فرنسا إلى حدما بجرأتها الخاصة في الوقوف ضد حرب العراق سنة 2003، وأثر ذلك سلباً على دفء علاقتها سواء بأميركا، أو إسرائيل، ولهذا ظلت متوجسة على الدوام من تبعات ما سمي «التوبيخ الفرنسي» في الولايات المتحدة. ولذلك ظل عدم الانخراط بهمّة ونشاط في التعامل مع المسألة الفلسطينية مظهراً من مظاهر تلك الاستراتيجية الفرنسية الحذرة. ولئن كانت فرنسا بقيت هي البلد الأقل انخراطاً في التعامل مع الملف قياساً إلى مواقفها في السابق، فقد ظلت أيضاً هي البلد الغربي الأقل فاعلية في التعامل مع هذا الصراع أو التأثير في مواقف أطرافه.

ومنذ البداية، كان الأمل محدوداً أصلاً في أن يتكشف هذا المؤتمر عن اختراق أو يؤدي إلى نتيجة مؤثرة. والأكثر فظاظة -وفظاعة- أن بنيامين نتنياهو قال بشكل بالغ الصراحة لجان- مارك إيرولت ومانويل فالس، وهما على التوالي وزير الخارجية ورئيس الحكومة الفرنسيان، إنه يقف ضد المبادرة الفرنسية ويرفضها من الأساس. وبدلاً منها، يقترح عقد مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهذه وسيلة -وحيلة- لسد الطريق أمام فرص إحراز أي تقدم، في ظل اختلال موازين القوى القائم بين الطرفين. وتعتقد الحكومة الإسرائيلية أن تضييع الوقت يصب في صالحها، وأن الفلسطينيين سيعتادون استمرار الاحتلال، وأن مواصلة أعمال الاستيطان ستودي إلى قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، بما يجعل حل الدولتين أمراً مستحيلاً عملياً، في النهاية. ونتنياهو الآن على رأس أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل، حيث يوجد فيها أعضاء عدة عبّروا صراحة عن معارضتهم لأي اتفاق مع الفلسطينيين، ويقولون بتبجّح إنهم يرفضون كل «الإملاءات الدولية»!

غير أنه لا فرنسا، ولا «المجتمع الدولي»، مستعدان لجعل معرقلي عملية السلام يدفعون ثمن هذا الرفض المعشش في إسرائيل. وإذن فلماذا، تغير تل أبيب موقفها العنيد، طالما أنها لا تتجرع أية تبعات سلبية مترتبة عليه؟ وهذه هي الحقيقة، فنتنياهو لا يستشعر أي خشية تجاه تحركات القوى الأخرى، وأي فحص لمجريات المواقف والوقائع والأحداث منذ مجيئه للسلطة تظهر أنه على حق في هذا التمادي وعدم الخشية، بل ورفع قفاز التحدي في وجه الجميع. ولعل مصدر خشيته الوحيد يأتي من حركة الرأي العام الداخلي، وتحديداً من تبعات حركة «المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات».

وفي الجهة الأخرى، يبدو الفلسطينيون، الذين هم منقسمون سياسياً وجغرافياً، محبطين وفي حالة ذهول. في حين يواصل الإسرائيليون، سنة بعد أخرى، تطبيق مبدأ رئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير، في بداية التسعينيات من القرن الماضي، حين كان يردد: نحن مستعدون للتفاوض طيلة الزمن الضروري، حتى لا يصبح هنالك شيء يمكن التفاوض عليه. لأن مكيدة تغيير الحقائق على الأرض ومهمة خلق أمر واقع جديد تكون قد اكتملت لمصلحة فرض استدامة الاستيطان والاحتلال.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد