عبدالعزيز سلطان المعمري
استضافت جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية في أبوظبي، اللقاء العلمي حول «التنوع والتعايش خريطة طريق لمستقبل مشترك»، وجمع نخبة من المفكرين والأكاديميين، الذين ناقشوا خلال جلسات اللقاء العلمي سبل تعزيز قيم التنوع والتعايش. مثل هذه الملتقيات والمؤتمرات تعتبر حاجة دولية.
وذات أولوية عالية يجب أن تحرص عليها الحكومات والمنظمات الدولية، خاصة في هذه اللحظة الحرجة من التاريخ الذي يمر به عالمنا هذا من منطلق ما نراه من تصريحات غريبة، وغير منطقية، وغير إنسانية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فيما يخص تهجير سكان وأهالي غزة من أرضهم ووطنهم، وفيما يخص حالة التعصب السياسي لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي استغل تصريحات ترامب في التفنن بتهديد دول المنطقة.
قد تبدو التصريحات سياسية وهي حتى الآن ما زالت على المستوى السياسي، إلا أن الجهود الدبلوماسية العربية تعمل على أن تبقى هذه التصريحات في هذا الإطار وعدم تجاوزه، ولكن من ناحية ثانية - وهنا يكمن الخطر- يمكن استغلال تلك التصريحات من قبل الجماعات المتطرفة لتوظيفها لخدمة أهدافها الخبيثة، من خلال تهييج الرأي العام العربي والإسلامي، والمشكلة.
كذلك أن هذه الخطابات والتصريحات تأتي على مستوى الحكومات مثل الحكومة الإسرائيلية، فبالتالي هذا الأمر يعرقل تلك الجهود، خاصة أن طبيعة منطقة الشرق الأوسط ذات حساسية خاصة، بسبب ما عانته، وما زالت تعانيه من حروب ونزاعات.
قد تبدو منطلقات اللقاء العلمي، الذي عقد قبل يومين دينية، لأنها مرتبطة بوثيقة الأخوة الإنسانية، التي جمعت فيها دولة الإمارات ممثلي أكبر ديانتين في العالم الإسلام والمسيحية، وأكاديمية لأنها جمعت نخبة من الأكاديميين، الذين ناقشوا أهمية التعليم كجسر للتعايش والتنوع، إلا أن تصريحات ترامب ونتنياهو رغم أنها تعتبر سياسية، لكن الرابط بين الاثنين من وجهة نظري هو موضوع القضية الفلسطينية، التي كانت وما زالت فرصة لكل من يريد بث خطاب الكراهية والتشدد.
وبالتالي فإن ما تسعى إليه دولة الإمارات، وغيرها من الدول العربية هو سد الباب على تلك الجماعات المتطرفة، من خلال إنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتنفيذ حل إقامة الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقهم الطبيعي والقانوني في إقامة دولتهم على أرضهم، وعاصمتها القدس الشرقية.
دولة الإمارات تحرص دائماً على الدعوة للتسامح والتعايش الإنساني، مع احتفاظ كل طرف باختلافاته الدينية والطائفية والثقافية، وهي تعمل كذلك على تعميق هذه القيم في التعامل الإنساني، لذلك تقدمت إلى الأمم المتحدة للتصويت على مشروع قرار لمكافحة الكراهية.
حيث قامت خلال رئاستها لمجلس الأمن في يونيو 2023، بالتنسيق والعمل بإعداد وصياغة نص القرار رقم 2686 مع أعضاء مجلس الأمن بشأن التسامح والسلام والأمن الدوليين، ومن أهم ما ميز القرار هو الحصول على إقرار دولي بوجود رابط بين خطاب الكراهية، وأعمال التطرف، وأن التطرف يجب أن يواجه بتعاون دولي.
أخطر ما يواجه البشرية اليوم خطابات الكراهية والمتطرفة بغض النظر عن مستوى صدورها، لكن يزداد خطرها عندما يكون على مستوى القيادات السياسية، والأخطر أن يصدر من قيادات دولة عظمى.
ويتضاعف الخطر بأن تسعى لاستغلال تلك التصريحات حكومة إسرائيلية متطرفة، لهذا يكون الحديث عن التعايش والتسامح والتنوع على المستوى الأكاديمي والسياسي هو غاية في الأهمية والضرورة على الأقل من باب التذكير بمخاطر تلك الخطابات، وهي مهمة العقلاء والحكماء، الذين يسعون إلى التهدئة والاستقرار، وتعزيز قيم التسامح والتعايش، ومواجهة خطابات الكراهية.
عالمنا اليوم يمر بمرحلة صعبة وحساسة، ويواجه مخاطر الانزلاق نحو صراعات كبيرة، بعضها تجاري، وبعضها سياسي، والأخرى أمنية، لذا المسؤولية تقع على الدول الكبرى أولاً، وعلى رأسها الولايات المتحدة في تجميع كل دول العالم لقول: «لا للتعصب والتطرف بكل أشكاله»، وأول من يوجّه له تلك الكلمة الحكومة الإسرائيلية ليس مساعدتها في التطرف والتشدد، إذا كنا نريد سلاماً حقيقياً لمنطقتنا.