إنما الحياة أيام، فالأيام إمّا أن تُستغل بما هوَ نافعٌ -سواءً على المستوى الشخصيّ أو المجتمعيّ أو الدوليّ- أم يذهب الوقت والأيام أدراج الرياح، وقد يصبح ذلك إثمًا. ولا يتأتّى النفعُ والاستنفاعُ بالأيام إلا بعد عقد النيّة والعقيدة ووضع منهج، مع الإيمان بما يُقام به أو يُستغل، فالقادة والعظماء والمفكرون والمخترعون والمبدعون، استثمروا أيّامهم بما هو ذي فائدة، وبهذا صنعوا تاريخًا، وبهذا نسجوا أحلامًا، وأصبحت حقائقًا بعد جهدٍ لا يكلّ ولا يمل. وهكذا هو التاريخ شاهدٌ على ما تصنعه الأيام؛ حيثُ أنّها مواقف ووقفات وبصمات تبقى وتصبح قصصًا تُروى عبر الأجيال، وتكون أيامًا خالدة في ذاكرة التاريخ، لا تصدأ مهما مرّت عليها السنون والقرون. من تلكم الأيام الخالدة التي نَعِمَت وتنعمُ بها أجيال المملكة العربية السعودية، بالأمس واليوم والغد بإذن الله، ذلك اليوم المشهود الذي أسس فيه الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- الدولة السعودية الأولى في 22 فبراير 1727م، ولم يكن ذلك عفوَ الخاطر، ولا بالأمرِ الهيّن؛ إنما هي العقيدةُ والعزيمةُ ورجاءُ المثوبة من عندِ الله. ومثله يوم اُستعيدت الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود -رحمه الله- في 20 نوفمبر 1824م. ويجيء اليوم الثالث، وهو ذلك اليوم الذي وضع بصمته على جبين التاريخ، حين استعادَ المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إرث آبائه وأجداده وبناء دولته وتحقيق طموح شعبه. وبذا يقف التاريخ مرةً أخرى مُصافِحًا ذلك الملك الجليل في ذلك اليوم العظيم؛ حيثُ فتحت مدينة الرياض في 5 شوال 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م، وأُعلِنَ أنّ المُلكَ لله ثم للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل. ويسير التاريخ ويسير معه الجهاد والكفاح والنضال؛ حتى يجيء اليوم الذي أعلن فيه المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن توحيد المملكة العربية السعودية في 21 جمادى الأولى 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م. وتتتابع الأيام، ويكون لكل ملكٍ من ملوك المملكة العربية السعودية من أبناء موحّد هذا الكيان العظيم بصمته، حيثُ بُويع الملك سعود في 2 ربيع الأول 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م، والملك فيصل في 27 جمادى الآخرة 1384هـ الموافق 2 نوفمبر 1964م، والملك خالد في 12 ربيع الأول 1395هـ الموافق 25 مارس 1975م، والملك فهد في 21 شعبان 1402هـ الموافق 13 يونيو 1982م، والملك عبدالله في 26 جمادى الآخر 1426هـ الموافق 1 أغسطس 2005م. وتُتوّج تلكم الأيام بيومها العاشر بمبايعة الملك سلمان بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، ملكًا للمملكة العربية السعودية في 3 ربيع الآخر 1436هـ الموافق 23 يناير 2015م. ويأتي اليوم الحادي عشر راقصًا طربًا، مُرحبًا مُسبشرًا، واعدًا بأحلامٍ تتحقق، وذلك بمبايعة صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وليًا لعهد المملكة العربية السعودية في 26 رمضان 1438هـ الموافق 21 يونيو 2017م. ويشرق يومٌ من أيام بناء الدولة وتشييد النهضة، ذلك اليوم الذي انطلقت فيه الرؤية الوطنية 2030 على يد صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان، في 18 رجب 1437هـ الموافق 25 أبريل 2016م، التي كان لانطلاقها نِعَمٌ تترى ونهضة في كل ناحية من نواحي المملكة، ينعم بها المواطن والمقيم، ويستلهمها البعيد، وذلك بما حققته من إنجازاتٍ؛ حيثُ تحوّلت الأحلام إلى حقائق أرّخها المؤرخون وأصبحت قصصًا تُروى عبر الأزمان، وما زال الخير قادمٌ في أيامها. هكذا هم المخلصون لأوطانهم ولشعوبهم، يصنعون تاريخًا ويبنون دولاً لتعيش أممٌ في رغدٍ من العيش. واليوم يُحتفى بذكرى تأسيس المملكة العربية السعودية، ويقفُ كل من على أرضها داعيًا لكلِّ من صنع تاريخًا ووضع بصمةً من أبناء وأحفاد المؤسس محمد بن سعود، وموحّد كياننا الملك المغفور له -بإذن الله- عبد العزيز بن عبد الرحمن وأبنائه، ذوي الأيادي البيضاء في بناء هذا الكيان العظيم -عليهم رحمة الله جميعًا-. وتلهج ألسنتهم بالدعاء لقائديّ نهضتنا، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز -حفظهما الله-، اللذان توجّا جهود آبائهم وأجدادهم بما صنعوا ويصنعون من قصصِ نجاحٍ ترويها الأيام.. ولنا في دلالات شعار يوم تأسيس دولتنا همّة وعزّة .. فتأسيسُ دولتنا وتوحيد كيانها وبناء نهضتها وإقرار رؤيتها الوطنية 2030، بزغت مع بزوغ شمس تلكم الأيام الخالدة. فالحمدالله الذي جعل أيامنا ضياءً ونورًا، وعيونها شمسًا وقمرًا... تلكم أيامنا، صنعت تاريخنا، خلّدت رؤيتنا، بنت نهضتنا، وكُتِبَ ذلك كله بصحائفٍ من نور.
عيونُ أيامنا
مواضيع ذات صلة