: آخر تحديث

دبلوماسية التحـول

2
2
2

لم يكن رفع العقوبات الأميركية عن سورية قراراً إجرائياً منفصلاً عن سياقه، بل لحظة سياسية كاشفة لتحول عميق في هندسة التأثير الإقليمي، في هذه اللحظة برزت الدبلوماسية السعودية بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بوصفها قوة إعادة تشكيل، لا مجرد وسيط عابر في نزاع طويل.

التحرك السعودي لم ينطلق من منطق المساومة، ولا من خطاب عاطفي، بل من قراءة استراتيجية تعتبر أن بقاء سورية تحت طوق العقوبات لم يعد يخدم الاستقرار الإقليمي، بل يوسع دوائر الفوضى ويؤجل الحلول. من هنا، أعادت المملكة طرح السؤال الجوهري على الطاولة الدولية: هل تدار الأزمات عبر العقاب المفتوح، أم عبر تفكيك أسباب الانهيار وإعادة إدماج الدول في منظومة الاستقرار؟

رفع العقوبات، بما شمل قانون قيصر ومؤسسات سيادية وقطاعات حيوية، لم يكن مكسباً سياسياً لسورية بقدر ما كان إعادة ضبط لمسار المنطقة بأكملها، ففتح المجال أمام المصارف، والطاقة، والنقل، والبنية التحتية، يعني كسر حلقة الشلل الاقتصادي التي غذت التطرف، والهجرة، والاقتصاد غير المشروع، وهو ما يجعل القرار جزءاً من مقاربة أمن إقليمي شامل، لا استجابة ظرفية لضغوط سياسية.

ما يميز الدور السعودي في هذا الملف أنه لم يفصل بين البعد الإنساني والبعد السيادي، المملكة لم تطالب برفع العقوبات بوصفها إجراء إنسانياً، بل بوصفه مدخلاً ضرورياً لاستعادة الدولة السورية قدرتها على أداء وظائفها الأساسية. وهنا، تحولت الدبلوماسية من خطاب أخلاقي إلى أداة هندسة سياسية، توازن بين الواقعية والمبدأ.

هذا المسار يعكس فلسفة أوسع في السياسة الخارجية السعودية، تقوم على خفض التصعيد، ومنع تمدد الفوضى، وإعادة بناء التوازنات بدل استدامة الصراعات. فالمملكة، في أكثر من ملف، أثبتت أن النفوذ الحقيقي لا يمارس بالضجيج، بل بالقدرة على إقناع القوى الكبرى بإعادة النظر في أدواتها.

دبلوماسية محمد بن سلمان في الملف السوري ليست لحظة استثنائية، بل امتداداً لرؤية ترى أن استقرار الشرق الأوسط لا يفرض بالقوة، بل يبنى عبر قرارات شجاعة تعالج الجذور لا الأعراض، وفي عالم تتسارع فيه التحولات، تبدو هذه المقاربة السعودية أقرب إلى صياغة مستقبل لا إدارة أزمة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد