عبدالله الزازان
يفرق علماء النفس الإيجابي، وفلاسفة تطوير الذات، بين علم النفس الإيجابي، والتفكير الأيجابي، فعلم النفس الإيجابي يدرس الجوانب الإيجابية في حياة الإنسان، ويطور إستراتيجيات نوعية الحياة ومواطن القوة، وجودة الحياة، والتكيف مع التحديات والضغوطات، ويعزز اللطف الذاتي، والرفاهية البشرية. وقد تأسس علم النفس الإيجابي على يد مؤسس علم النفس الأمريكي، مارتن سليجمان، مدير مركز علم النفس في جامعة بنسلفانيا. أما التفكير الإيجابي، فيركز على الجوانب الإيجابية في الحياة، كالمرونة والتعاطف والسعادة والأمل والتفاؤل والأشراق، حيث يؤثر إيجابًا في الحياة الإنسانية، وبخاصة الصحة النفسية والجسدية، وذلك من خلال تحديد مصادر التفكير السلبي، واستبدالها بأفكار إيجابية، والتركيز على الإيجابيات، والتحكم في الأفكار السلبية واستبدالها بالأفكارالإيجابية، والتعامل مع المواقف المزعجة بإيجابية، والتفكير في الجانب المشرق، وملازمة الإيجابيين، والقدرة على رؤية الجوانب الإيجابية في الحياة. وقد ظهرت هذه الأفكار في كتاب المفكر الأمريكي الدكتور نورمان فينسنت بيل في كتابه "قوة التفكير الإيجابي"، والذي يعد من أشهر كتب تطوير الذات، حيث حظي بشعبية واسعة على مستوى دول الغرب الصناعي، واحتل مكانة دائمة في أرشيف الكتب الأكثر ترشيحًا للقراءة في العالم، وترجم لأكثر من 40 لغة. يدور الكتاب حول كيفية تحويل نمط التفكير السلبي إلى التفكير الإيجابي، وإعادة صياغة الأفكار السلبية إلى أفكار إيجابية. كثير من الدارسين والباحثين النفسانيين والاجتماعيين الذين تناولوا قوة التفكير الإيجابي بصيغ وأساليب وأفكار ومفاهيم مختلفة، كالدكتور إبراهيم الفقي، والكاتب الكندي بوب بروكتور، والكاتب الأمريكي نابليون هيل، والمفكر الروحاني الياباني ريو هو أوكاوا، والكاتب الأمريكي نورمان فينسنت بيل وكتابه الشهير "قوة التفكير الإيجابي". ولعل ما ساعد على انتشار هذا الكتاب أن بيل كان شخصية عامة تحفيزية، وله حضور واسع في القنوات التليفزيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك لقي كتابه قبولا وانتشارًا في الأوساط الأمريكية، فالكتاب من حيث المنطلقات الفكرية، مزيج من التأملات والروحانيات وتطوير الذات، وعلم النفس الأيجابي ونظريات علم النفس الاجتماعي، حيث يمزج تلك الأفكار والتأملات والعلوم والنظريات، والتي تظهر بوضوح في كتاب "قوة التفكير الإيجابي"، والذي يركز على الجوانب الإيجابية في الحياة الإنسانية. منذ سنوات خلت تسنت لي فرصة وضع قناعاتي موضع النقاش والتساؤل لكي أتخلص من بعض القناعات السالبة، ولكي أضيف إلى نفسي مزيدًا من القناعات الإيجابية.. لقد أدركت أن معظم القناعات التي راكمتها في فترات مختلفة من حياتي تكونت لدي بفعل التقليد، أو لأنني رأيت الآخرين يتمثلونها، وهذا ما يطلق عليه في علم النفس "البرهان الاجتماعي"، غير أن البرهان الاجتماعي لم يكن صحيحًا في أغلب الحالات. وكما يقول أنتوني روبنز فإن الناس حين يكونون غير واثقين مما يتوجب عليهم فعله يقلدون الآخرين في توجهاتهم، وفي هذه الحال تكون حياتنا نسخة طبق الأصل من حياة الآخرين، ولذلك فإن إعادة النظر في قناعاتنا ونتائجها أمر حيوي. لقد اعتدت بين حين وآخر على إعادة مراجعة قيمي وصفاتي الفردية، لكي تنسجم مع مجريات حياتي؛ إذ إن كثيرًا من الصفات الفردية التي تمثلتها في حياتي لم تكن خيارًا لي بقدر ما كانت انبهارًا وتقليدًا ومحاكاة غير ذكية.. واليوم أريد أن أحرر نفسي من تلك الخيارات غير الفاعلة وأرفعها إلى مستوى القبول الواعي والوعي الحضاري. كانت العفوية والمرونة الاجتماعية الصفتين اللتين لفتنا انتباهي في المجتمع الأمريكي أيام وجودي في الولايات المتحدة الأمريكية، لقد كانتا مزيجًا مدهشًا من العلاقات الإنسانية المثالية، وتلك كانت في نظري روح الحياة، وهذا ربما يعطي فكرة دقيقة عن طبيعة البيئة الاجتماعية الأمريكية. يقول هنري كيسنجر في كتابه سنوات التجديد: "لا يوجد مكان تجد فيه العلاقات الشخصية عفوية كالولايات المتحدة الأمريكية"، لقد أوضحت الإحصاءات أن نسبة 80% من المجتمع الأمريكي أكثر ميلاً إلى المرونة والعفوية. يذكر المفكر أنتوني روبنز أنه في إحدى الحلقات الدراسية، التي كان يعقدها لطلابه في الولايات المتحدة الأمريكية، أنه كان يسأل طلابه عن أي القيم التي تحتل المركز الأول لديهم، وبعد لحظات من التفكير يذكر أحد الطلاب التلقائية، وطالب آخر العفوية، وطالبة التسامح، ومن ثم تتوالى سلسلة القيم والخيارات. ولذلك فإنه يمكننا أن نملك سلسلة رائعة من القيم والصفات الفردية إذا ما أحسنا اختيارها لتخلق لنا نوعية الحياة التي نريدها.. لقد احتلت المرونة والعفوية والشفافية مكانًا متقدمًا في قائمة أولوياتي الاجتماعية وعززت نوعية علاقاتي الشخصية. فالمرونة والعفوية تمثلان حالة انسجام وتمازج في توظيف العلاقات الشخصية بألطف الأساليب في إطار الذكاء الوجداني والشفافية، والتصالح مع الذات.. فإذا كانت هذه الصفات الفردية الأقرب إلى طبائع البشر، فلماذا لا نتمثلها لنعيش الحياة بصورة أفضل. إن جوهر الحياة الفاعلة أن نعيش لحظات حياتنا بالسلوكيات الإيجابية التي اخترناها، والتي تساعد على ازدياد اندماجنا بالمجتمع.. فالعفوية على حد تعبير أوسكار وايلد فنّ في حد ذاتها، وقد نجد أن تطبيق هذا الفن -رغم أنه الأقرب إلى طبيعة الإنسان- لا يمثل الكثرة لدينا.. ولكن لماذا لا نخضع سلوكياتنا للتجريب؟، ونجرب منهجًا جديدًا في العلاقات الشخصية؟.إستراتيجيات علم النفس الإيجابي وفلسفة التفكير
مواضيع ذات صلة