: آخر تحديث

مزبلة التاريخ

1
2
1

عبده خال

ثمّة جمل تغدو ردّاً مختصراً لمن يغايرك في التوجّه، ومع أن ذلك الرد واهٍ إلا أن المنشطات الفنية أو السياسية تبقي ذلك الرد حيّاً لا يموت، بينما الحقيقة هو رد ميت في ذاته..

البارحة شاهدت مسرحية (ضيعة تشرين)؛ التي كتبها الشاعر الكبير محمد الماغوط، وإخراج وبطولة الممثل القدير دريد لحام، وهي مسرحية حققت نجاحاً كبيراً، ونجاح تلك المسرحية أراه الآن أن المسرحية نجحت في ضجيج الدكتاتورية السائدة في تلك الفترة الزمنية، ليس في سوريا فقط وإنما كانت الأنظمة العربية ذات صبغة غامقة إزاء التعبير عما يموج في صدور الناس، والذي لفت انتباهي في المسرحية ترديد: مزبلة التاريخ، وهي الجملة التي كذّبها الواقع، إذ إن ليس للتاريخ مزبلة، فكل ما حدث ويحدث سيدخل إلى حنايا التاريخ حدثاً مساعداً في بناء سجلات التاريخ.. ويبدو أن جملة «مزبلة التاريخ» سوّقها (البلاشفة) في مؤتمرهم الثاني إزاء انسحاب المعارضين لهم، فصاح تروتسكي قائلاً: «إنكم أناس بائسون منعزلون! أنتم مفلسون. انتهى دوركم. اذهبوا إلى حيث تنتمون من الآن فصاعداً، أنتم في مزبلة التاريخ».

وكذلك استخدمها لاحقاً الرئيس الأمريكي ريغان حين قال في خطابه: «إن الحرية والديمقراطية سيخلفان الماركسية واللينينية ستذهب إلى مزبلة التاريخ»، وكذلك استخدمها الرئيس الليبي معمر القذافي موجهاً خطابه للدول التي هاجمت ليبيا عند تنفيذ قرار حظر الطيران، حينها ألقى خطابه الناري: «إنه عدوان... من قبل مجموعة من الفاشيين سينتهي بهم الأمر في مزبلة التاريخ»..

هذه المزبلة لم تظهر إلا متأخراً جدّاً، فقبل ثورة البلاشفة لم يكن للتاريخ مزبلة، ولم نسمع أن التاريخ نظّف غرفه أو قاعاته أو ميادين حروبه أو سِيَر رموزه، نعم كل شيء مضى، بعد مشاركة الجميع في صنع أحداث التاريخ.

ونحن الآن ورثة التاريخ البشري منذ البدء، علينا ألا نصدق أن للتاريخ مزبلةً، وإن توفرت له هذه الأداة، فجزماً أن بناء أحداث التاريخ تم بناؤها على تلٍّ من المزابل!.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد