: آخر تحديث

التحرر!

0
0
0

سمر المقرن

عندما نتحدث عن الحرية يتبادر إلى الأذهان أولاً التحرر من القيود المادية أو الدينية أو الاجتماعية، لكن ثمة نوعا آخر من الحرية أكثر عمقًا وأشد تأثيرًا في راحة الإنسان وسلامه الداخلي: التحرر من الحاجة لإقناع الآخرين بك.

كثيرون يعيشون حياتهم وكأنهم في محكمة مفتوحة، يقدمون الأدلة والبراهين على براءتهم، على أحقيتهم في أحلامهم، وعلى صلاح نواياهم. يسعون بلا توقف لنيل اعتراف من حولهم، وكأن هذا الاعتراف هو تصريح المرور إلى السعادة. لكن الحقيقة أن هذا الطريق لا نهاية له، لأن رضا الناس بحرٌ لا قرار له، ومقاييسهم تتغير بتغير أمزجتهم ومصالحهم.

التحرر من هذه الحاجة لا يعني الغرور أو العزلة، بل يعني إدراك أن قيمتك لا تُستمد من تصفيق الآخرين أو صمتهم، ولا من إعجابهم أو انتقادهم. إنما تنبع قيمتك من معرفتك بنفسك، وإيمانك بما أنت عليه، وسعيك لأن تكون نسخة أفضل من ذاتك، لا نسخة مرضية لأذواق الآخرين.

حين تتحرر من هذه الدوامة تبدأ حياتك في التغيير. تصبح أكثر صدقًا في قراراتك، وأكثر بساطة في علاقاتك، وأكثر شجاعة في أحلامك. لم يعد يهمك إن قالوا عنك مختلفًا أو مجنونًا أو حتى مخطئًا، لأنك تعلم أن التجربة أصدق من الكلام، وأن العيش على طريقتك خير من العيش على طريقة الآخرين.

هذه الحرية تمنحك مساحة هائلة للإبداع، لأنك لم تعد تخشى الرفض أو النقد، بل ترى فيه فرصة للتعلم أو اختبار الصبر. تمنحك أيضًا سلامًا داخليًا عميقًا، لأنك لم تعد تحمل عبء إثبات نفسك لكل عابر في حياتك.

في النهاية، التحرر من الحاجة لإقناع الآخرين بك ليس موقفًا يُتخذ في يوم وليلة، بل هو رحلة وعي تبدأ بلحظة صدق مع الذات. لحظة تدرك فيها أن أعظم معركة تخوضها ليست لإثبات قيمتك أمام الآخرين، بل لترسيخ هذه القيمة في داخلك.

وحين تصل إلى هذه المرحلة، تدرك أن الحرية الحقيقية ليست غياب القيود، بل غياب الحاجة إلى أن تكون مقبولًا على حساب حقيقتك. عندها فقط، ستعيش بسلام.. وتكون حقًا حرًا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد