يشكل انضمام ثماني مدن سعودية إلى شبكة مدن التعلم العالمية التابعة لليونسكو حدثًا استراتيجيًا يعكس التحولات العميقة التي تشهدها منظومة التعليم في المملكة، ويؤكد قدرتها على بناء بيئة تعلم مستمر تستجيب لاحتياجات المستقبل. فاعتماد مدن: الجبيل، وينبع، والمدينة المنورة، والأحساء، والرياض، والعلا، ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، ورياض الخبراء، ضمن الشبكة العالمية ليس مجرد إنجاز رمزي، بل اعتراف دولي بنموذج وطني قادر على ربط التعليم بالتنمية والاقتصاد المعرفي، انسجامًا مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
تشير تقارير اليونسكو إلى أن مدن التعلم التي يجري اعتمادها عالميًا تتميز بقدرتها على توفير فرص شاملة لإعادة تأهيل القوى العاملة، ورفع مهاراتها بما يواكب أسواق العمل المتقدمة، إلى جانب تعزيز مهارات القراءة والكتابة للفئات التي فاتها التعليم في مراحل مبكرة. وهذا الجانب تحديدًا يمثل جوهر التجربة السعودية خلال السنوات الماضية؛ إذ تبنّت المملكة برامج موسّعة للتعليم المستمر، والتدريب المهني، والتحول الرقمي، وتحسين جودة المهارات، فضلًا عن مبادرات نوعية في محو الأمية والتعليم مدى الحياة.
كما أن المدن السعودية الثمانية تمتلك خصائص تجعلها مؤهلة بامتياز للانضمام إلى الشبكة العالمية؛ فالرياض مثلًا تعد مركزًا للتحول الرقمي وتطوير المهارات، فيما تتقدم العلا كنموذج للتعليم المرتبط بالتراث والثقافة والسياحة المستدامة. أما الجبيل وينبع ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، فتمثل منصات متقدمة لبرامج التدريب الصناعي والتقني، وإعادة تأهيل القوى العاملة وفق أعلى المعايير العالمية. وفي المقابل، تعكس الأحساء والمدينة المنورة ورياض الخبراء نجاحًا نوعيًا في دمج التعليم المجتمعي، وتعزيز المشاركة المدنية، وتوسيع برامج التعلم مدى الحياة.
ويعد ارتفاع عدد المدن السعودية المعتمدة ضمن شبكات التعلم الدولية مؤشرًا مهمًا على الجدية المؤسسية في تطوير منظومات التعلم المحلي، وتفعيل الشراكات الدولية، وتعزيز رأس المال البشري. فالشبكة العالمية تهدف إلى دعم المدن التي تستثمر في التعليم باعتباره محورًا للنمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، وهو ما تنسجم معه بوضوح رؤية المملكة في بناء مجتمع معرفي مستدام.
إن هذا الاعتراف الدولي يعيد التأكيد على أن المملكة لم تعد مجرد دولة مستهلكة للمعرفة، بل أصبحت منتجًا للبرامج والسياسات التي تمنح مدنها القدرة على المنافسة عالميًا، وتضمن لأبنائها فرصًا أوسع في سوق العمل، وتفتح المجال لنهضة تعليمية مستدامة ترتكز على الابتكار وجودة الحياة.

