: آخر تحديث

أميركا و«الإخوان»... ماذا عن أوروبا؟!

0
0
0

تطرّقتُ في المقالة الماضية إلى الحيويّة القانونيّة التي أحدثها قرار ترمب بدرس تصنيف فروع لجماعة «الإخوان» بالإرهاب، ووضع كل شبكاتها تحت الرقابة، ولكنني تمنيتُ أن يكون التصنيف لأصل الجماعة لا الاقتصار على الفروع، وأن تستخدم مفهوم «الملاحقة»؛ فهو أهم من «المراقبة»، وأكثر دقةً وحسماً.

تسبيبي وتعليلي لذلك أن كل الجماعات الإرهابية التي تحدّت أميركا وضربتها تغذّت على المفاهيم الإخوانية، سواء في هجوم «حزب الله» واستهدافه للسفارة الأميركية في بيروت في 1983، أو تنظيم «القاعدة» الذي يقول زعيمه أسامة بن لادن إنه تربّى وتعلّم واستفاد من آيديولوجية جماعة «الإخوان»، وبالتالي فإن التصنيف ليس اعتباطياً وإنما ضرورة قصوى لكل أمنٍ قومي لأيّ دولة بالعالم. ومصيبة التنظيم أنه غذّى التنظيمات السنية والشيعية معاً، ومعروفٌ أن المرشد علي خامنئي هو مترجم كتب سيد قطب للفارسية.

إن هذا التصنيف الأميركي المحتمل لـ«الإخوان» بالإرهاب يجب أن ينسحب على دول أوروبا التي تزاحم فيها «الإخوان»، وعاثوا فيها فساداً وإرهاباً عبر تنظيماتهم وتكتلاتهم الحركية منذ أكثر من ثمانين عاماً.

لقد وعت الدول التنموية الصاعدة هذا الخطر في وقتٍ مبكّر. في 22 مايو (أيار) 2017 حذر الشيخ عبد الله بن زايد من التطرف والإرهاب في الغرب، قائلاً: «ربما يخرج من المتطرفين والإرهابيين في أوروبا أكثر مما يحدث في العالم العربي. دول أوروبية حاضنة للإرهابيين، وحاضنة للتطرف، وعليها إما أن تكشف عن هذا الزيف، أو تتحمل مسؤوليتها». هكذا قالها الشيخ عبد الله ناصحاً لهم.

لقد جرّمت السعودية جماعة «الإخوان» بقانونٍ صارم. وحذّر الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز من تمددهم بالغرب. ولطالما حذّر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من هذه الأصوليات وخطورتها على الإقليم والعالم.

إن تصنيف هذه الجماعة «إرهابية» إقليمياً ودولياً واجب أخلاقي وديني وأمني. والعجيب أن جماعة «الإخوان» أصدروا بياناً يهدد الولايات المتحدة، ومن مضامينه: «إن قراركم يهدد الأمن القومي الأميركي»، بل ذهبوا أبعد من ذلك حين قالوا في نصّ البيان: «إن هذه الأجندات الخارجية تتناقض بشكل مباشر مع مبدأ (أميركا أولاً) الذي تبناه الرئيس ترمب واستشهد به مراراً، كما تعكس التأثير المقلق لشبكات الضغط الأجنبية التي تسعى إلى تصدير معاركها السياسية المحلية إلى قرارات ذات صلة بالأمن القومي الأميركي».

ويضيفون أن «هذا الأمر التنفيذي ينطوي على دوافع سياسية، ويفتقر إلى أي أساس قانوني أو أمني موثوق. فجماعة الإخوان لا تعمل من خلال (فروع)، حيث تشترك التنظيمات الإخوانية المستقلة في بعض الدول الإسلامية في عناصر آيديولوجية إسلامية مشتركة، ولكنها بالأساس كيانات منفصلة تتخذ قراراتها الخاصة وتتصرف وفقاً للقانون في البلدان التي توجد فيها. وبالنسبة للحركات المشار إليها في التوجيه الرئاسي، فلها تاريخ طويل من المشاركة السلمية الاجتماعية والدينية والمدنية والسياسية، والتزمت بشكل صريح بالأنظمة الديمقراطية السلمية، وباحترام العمليات الدستورية، والمشاركة المدنية السلمية».

الكارثة أنهم في بيانهم يزعمون أن حالة وجودهم في الدول قانونية، وهذا يمثّل تحدياً كبيراً على مفهوم المؤسسات والدول التي يوجدون فيها، بمعنًى آخر أنهم استطاعوا التحايل على النّظُم القانونية الغربية.

لم يكن هدف «الإخوان» في هجرتهم إلى الغرب، وبخاصةٍ أوروبا التي يجب أن تتبع محتوى التصنيف الأميركي، لا الاندماج ولا التأقلم، بل الهدف الحقيقي الذي رسمت على أساسه الخطط يتمحور في خلق ما يشبه الدولة الإسلامية في قلب أوروبا. لقد بدأ التغلغل مبكراً؛ مثلاً: سعيد رمضان السكرتير الخاص لحسن البنا أسّس جمعية إسلامية بجنيف في أواخر الخمسينات.

وأزيد على ذلك بمثال «اتحاد المنظمات الإسلامية» الذي عدّل أصحابه اسمه في 2017 إلى «اتحاد مسلمي فرنسا»، وتأسس في 1983. حين تقرأ الأهداف التي كتبوها لاتحادهم تظنّ أنك أمام أعظم صرح تربوي عالمي؛ من الأهداف: «قراءة للإسلام الذي يركز على أغراض المبادئ الدينية، وهي البحث عن الانسجام والاستخدام المنتظم للنقائص، وقبول الاختلاف، والتسامح، والاعتراف بالآخر، بغض النظر عن المعتقدات. تعزيز الحوار مع مختلف الأسر الدينية في فرنسا، ومؤسسات المجتمع المدني، لتعزيز التماسك الاجتماعي. تقديم ونشر الإسلام وقيمه من الانفتاح والتسامح والأخلاق والآداب بالتساوي بين فهم متوازن وممارسة أصيلة ووسطية». وهذا جزء من مكرهم.

هذا هو الغطاء المعتمد من «الإخوان» لجميع مشاريعهم السياسية ولكل استراتيجياتهم التوسعية، إنهم يريدون تنفيذ مشاريعهم الجهنمية والكارثية التي شهد العالم أثرها التدميري.

الخلاصة أن بيان «الإخوان» يحتّم على أوروبا الالتحاق بالقرار الأميركي؛ فالخطر الذي أدركته دول الإقليم المعتدلة التنموية الصاعدة، ومن ثمّ بوّبه ترمب بشكلٍ قانوني أخيراً، من المهم أن تنتبه إليه الدول الأوروبية؛ فاستعمال الغرب لـ«الإخوان» على الطريقة الغربية ارتدّ على مجتمعاتهم بعملياتٍ إرهابية فظيعة، وبتأسيس أنماطٍ من مجاميع الكراهية والتمرد والعنف.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد