: آخر تحديث

تفكيك النظام الخليجي

1
1
0

في العالم ليست هناك دول تتحارب فقط، ولكن أنظمة دولية تتنافس. فالحرب الروسية ـ الأوكرانية ليست صراعاً بين دولتين، ولكن بين نظامين. ولهذا يدعم الأوروبيون والأميركيون (خصوصاً في عهد الرئيس جو بايدن) كييف، ويدعم الصينيون والكوريون الشماليون موسكو.

تاريخياً، ناصر الأميركيون الأوروبيين في الحرب على النازية وهزموا دول المحور، لأن انتصار هتلر سيعني هزيمة الأميركيين وتضرّر مصالحهم. الأميركيون استفادوا من نظام التجارة الحر الذي رسّخته الإمبراطورية البريطانية من دون أن يدفعوا أثماناً باهظة. بلادهم بعيدة وجيرانهم مسالمون، ولكن انتصار هتلر يعني نهاية النظام الليبرالي وتضرّر خطوط الملاحة وتعطّل التجارة. سارعوا إلى الدخول في الحرب، وبعد نهايتها لم يغادروا أوروبا. أوقفوها على قدميها اقتصادياً من خلال «مشروع مارشال»، وعسكرياً من خلال حلف الناتو. لم يسمحوا بأن تنهض ألمانيا فاشية جديدة؛ قَلَّموا أظافرها وأدخلوها في النظام الرأسمالي الديمقراطي الجديد، حتى أصبحت اليوم واحدة من كبرى ركائزه.

لماذا يقلق الأميركيون والغربيون من الصين؟ بسبب المنافسة الاقتصادية؟ صحيح. بسبب تايوان؟ مؤكد. ولكن السبب الأهم هو خوفهم من أن تشكّل الصين نظاماً دولياً يتصادم وربما يُنهي النظام الذي أسسوه بعد الحرب العالمية الثانية ووسّعوه إلى آسيا وفي القلب منه اليابان.

الدول تتصارع وتتنافس ليس لأنها يكره بعضها بعضاً، ولكن لأنها تسعى لفرض الأنظمة السياسية والاقتصادية التي تعزز مصالحها. في منطقتنا حاول صدام حسين من خلال غزو الكويت أن يفرض نظاماً جديداً. أيَّدته وتحالفت مع الدول التي شاركته المصالح والأفكار. كان يأمل في أن يقبل العالم الواقع الذي فرضه ويتعامل معه. القرار التاريخي الشجاع للملك فهد منعه وحفظ للخليج استقراره وتماسكه ونظامه الخاص الذي يتعارض مع رؤية وطموح صدام. الإيرانيون حاولوا من خلال تصدير الثورة ونشر الميليشيات ودعم وكلائهم تأسيس نظام يعزز مصالحهم ويحقق لهم مزيداً من الهيمنة والنفوذ. حسن نصر الله وقاسم سليماني وعلي طبطبائي كانوا جنوداً مخلصين في هذا المشروع. إردوغان حاول في فترة سابقة فرض نظامه مستعيناً بالإخوانية الممزوجة بالعثمانية الجديدة.

دول الخليج شكّلت أيضاً نظامها الإقليمي الخاص، وهو واحد من أنجح الأنظمة في المنطقة العربية المتعثرة: خالٍ من الآيديولوجيات القومية والدينية المتطرفة والكيانات الانفصالية. مستقر سياسياً، ومزدهر اقتصادياً، ومتسامح دينياً، ومنفتح ثقافياً. شكّلت المنظومة الخليجية ثروات كبيرة وأصبحت وجهة للاستثمارات والناجحين والطامحين من كل الجنسيات الذين أصبح الخليج وطنهم. ترتبط بالقوى الكبرى بعلاقات استراتيجية ومصالح سياسية واقتصادية. صمد النظام الخليجي أمام اختبارات صعبة. مر بأزمات عاصفة وتجاوزها. لم يحدث ذلك صدفةً، ولكن بسبب المصالح المشتركة وأشكال الحكم المتقاربة والقيم المتشابهة والأعداء المشتركين. خصوم هذا النظام الخليجي يسعون لتحطيمه وتفكيكه (ذكرتهم في مقال سابق «تخريب العلاقة بأميركا») واستبدال نظام يلائمهم به. نهاية أو إضعاف النظام الخليجي يصبّان في مصلحتهم ويعنيان انتصاراً لهم. يسعون لتقويض شرعيته وتخريب ارتباطاته الدولية وضرب مصالحه وتسميم وحدته.

تأتي القمة الخليجية في البحرين لتؤكد أن هذا النظام الإقليمي ما زال قوياً ومتماسكاً في عالم مضطرب ومنطقة متصدعة. الحفاظ عليه واجب سياسي واستراتيجي لحماية استقرار الخليج ومستقبله في مواجهة محاولات التفكيك والاختراق. فلا ننسَ أن الضعف والتفتت يُسيل لعاب الأشرار.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد