: آخر تحديث

في كيفية إنهاء زمن غطرسة المهزوم

2
3
2

القلق والخوف سِمَتَا يوميات اللبنانيين، وقد تُرك البلد لمصيره ينتظر مرحلة جديدة من الحرب، تستكمل تدميره؛ كأنها قَدَرٌ لا رَادّ له. والخيبة التي تسود المناطق والطوائف والمذاهب والفئات الاجتماعية المختلفة، باتت أضعافاً مضاعفة، عكس الرهانات الكبرى التي عاشها الناس مع بداية العهد، عندما وضعوا الآمال الكبار بأن زمن العزلة والانكسار والإذلال العام إلى زوال.

على مدى أشهر، ازدهرت سرديات تبرر الحفاظ على سلاح «حزب اللّه» والامتناع عن تسليمه تنفيذاً لقرارات مجلس الوزراء. مواقف تصاعدت في مواجهة اتساع الاستباحة الإسرائيلية، فتكررت الترهات عن الحاجة إلى «قوة المقاومة»، وهي التي في ذروتها سقط سلاحها في كل الاستحقاقات. إطلالات مملة للأمين العام لـ«الحزب»، الشيخ نعيم قاسم، أعاد فيها تدوير الكلام عن أن جنوب الليطاني غير شماله، لينفي حق الدولة في حصرية السلاح والإمساك بقرار الحرب والسلم؛ لأنها عاجزة عن ردع العدو الإسرائيلي. وراح يفصّل ماهية «الردع» و«النجاحات المحققة»، في إنكارٍ مطلَق للواقع؛ بدءاً من استدراجه الاحتلال، إلى عجز السلاح عن حماية حامليه، ثم التعامي عن مسح عشرات البلدات عن الخريطة، وبقاء عشرات ألوف الأسر في تهجير قد يصبح مستداماً. ثم يتباهى بحزبيته المتضخمة ليعلن أن الحاصل هو «انتصار للمقاومة وللناس وللبنان؛ لأننا منعنا العدو من تحقيق أهدافه في القضاء على المقاومة»!

تنقل الوفود الزائرة المخاوف من حرب مدمرة؛ لأن مجرم الحرب بنيامين نتنياهو اتخذ قرار «إكمال المهمة» ضد لبنان... وهي «الحق» في التدمير؛ والذريعة: منع «الحزب» من ترميم قدرات تهدد إسرائيل مستقبلاً (...)، وهذا «الحق» أكد عليه اتفاق وقف النار بعبارة: «لا يلغي هذا الاتفاق هذا الحق (...)». وتُذكِّر الوفود بأن واشنطن حددت نهاية العام للانتهاء من جمع السلاح، وهذا موعد كان قد حدده رئيس البلاد. فتدعو صادقة لخطوات مقنعة تقطع مع مسار التراخي بتنفيذ قرار جمع السلاح؛ مما قد يؤجل الأخطار الداهمة. توازياً، يعلن الشيخ قاسم في ذكرى مقتل هيثم الطبطبائي، القائد العسكري الإيراني لميليشيا «حزب الله»: «من حقنا الرد. سنحدد التوقيت لذلك»! وللطبطبائي تاريخ طويل في قيادة عمليات قتل اليمنيين وفي إلقاء البراميل المتفجرة على رؤوس السوريين.

من السهل على «حزب الله» القول إنه ليس مهزوماً لمجرد بقاء بعض الوجوه على قيد الحياة. لكن الفارق سنوات ضوئية بين سرديات «الحزب» الانتصارية، وما يعيشه الناس المتعذَّر عليهم تجاهل تداعيات نكبة حرب «الإسناد»، واستحالة القفز فوق الواقع، فيما الوقائع ناطقة. هنا لا يكون الأمر خارج المألوف أن يعلن مستشار المرشد الإيراني أن «حزب الله» ثروة، وأنه «أهم للبنانيين من الخبز والماء»؛ ذلك أن نزع السلاح يُفقد طهران أهم أوراق نفوذها، خصوصاً بعد خروجها من سوريا.

لا تجوز الاستهانة بهذا الموقف؛ لأنه، من جهة، بقدر ما يشتد الحصار على النظام الإيراني العاجز عن تأمين مياه الشفة لسكان طهران، فإنه سيمضي في ادعاء القدرة على دعم المتبقي من أذرعه في خطاب مهزوم يبحث عن الربح. ومن الجهة الأخرى، فإن الخطورة تكمن في الدفع لتثبيت «شيعية» سلاح هو خارج الفعل في وجه العدو، لكن الحفاظ عليه، أشبه بـ«بوليصة ضمان بقاء أرجحية الثنائي»؛ «أمل» و«حزب الله»، في السلطة؛ لمزيد من التغول على الدولة والإبقاء على «مكاسب» لا دستورية فرضها السلاح اللاشرعي والإمساك قسراً بقرار البلد.

في هذا التوقيت، قطعت مواقف رئيس الحكومة، نواف سلام، مع سياسة «شراء الوقت» فقال: «لبنان متأخر في موضوع حصر السلاح وبسط سلطة الدولة»، مضيفاً: «(الحزب) يقول إن سلاحه يردع الاعتداء، ولكن العدو اعتدى والسلاح لم يردعه.

كما أن هذا السلاح لم يحمِ قادة (الحزب)، ولا اللبنانيين وممتلكاتهم، والدليلُ عشرات القرى الممسوحة... هذا السلاح لا رَدَع، ولا حَمَى، ولا نَصَرَ غزة. ونحن لم نطبق القرار الدولي (1701) في عام 2006». وأتبع ذلك بإدراجه بنداً أول على جدول أعمال مجلس الوزراء الخميس المقبل: «عرض قيادة الجيش الشهري حول خطة حصر السلاح في المناطق اللبنانية كافة إنفاذاً لقرار مجلس الوزراء»، فحمل هذا البند أول إعلان رسمي بأن حصر السلاح يشمل كل لبنان ولا يقتصر على جنوب الليطاني.

من المبكر إطلاق التوقعات، لكن المطروح على مجلس الوزراء يقطع مع تماهي بعض السلطة مع طروحات «الحزب» بأن نزع السلاح باب للفتنة (...)، والتذرع بضعف في القدرات العسكرية، إلى طروحات تتحدث عن مبدأ «الخطوة - خطوة»، في تجاهل لواقع أن نزع السلاح اللاشرعي مسألة وطنية لبنانية قبل أي أمر آخر.

إن الأمر العملي الآن، إلى جانب مهام الجيش الكبرى في جنوب الليطاني، ضم المنطقة بين نهرَي الليطاني والأوّلي إلى عمليات الجيش لحصر السلاح، أي شمول الخطة كل الجنوب. إنها خطوةٌ ضرورية لسحب البساط من تحت أقدام المخطط الإسرائيلي، ومدخلٌ جدي للحصول على توافقات أميركية ودولية بشأن نزع السلاح. والموقفُ المسؤول، في زمن بحث موازنة عام 2026، يفترض تخصيصَ الأموال للجيش، والأموالُ موجودة، لزيادة القدرات وللتطويع في صفوفه، من أجل جيش شاب ينتظره كثيرٌ من المهام. تخصيص الأموال، من دون أي انتظار، هو اليوم استثمارٌ في السلام المستدام لا غنى عنه لقيام الدولة المرتجاة بديلاً عن الدولة التي فككها التحالف المافياوي لتسهيل نهبها واستتباعها لمحور الخراب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد