: آخر تحديث

شراكة مؤسسية تمهد لدمج أوسع لذوي التوحد في الاقتصاد

1
0
0

يمثل الإعلان عن مبادرة تأهيل وتوظيف 1000 شاب وشابة من ذوي "طيف التوحد" في اليوم الأول من "مؤتمر التوحد الدولي" -الذي انعقد بالمنطقة الشرقية خلال نوفمبر الماضي– محطة مهمة في مسار توفير فرص أكثر عدالة أمام مختلف الأطياف الاجتماعية في السعودية، وتحديداً ذوي الاحتياجات الخاصة.

المبادرة أتت عبر مذكرة تعاون جمعت بين "صندوق تنمية الموارد البشرية – هدف" وهو الجهة الحكومية المسؤولة عن تطوير القوى العاملة ورفع تنافسيتها، و"المجلس الاستشاري لخدمات التوحد" وهو كيان مستقل يمتلك خبرة وقاعدة بيانات واسعة.

أهمية هذا "التعاون" تكمن في الجمع بين القدرة التنظيمية والتمويلية التي يملكها "هدف" والخبرة المهنية والعلمية التي لدى "المجلس" في التعامل مع احتياجات ذوي "التوحد"؛ وهو تلاقٍ ضروري لنجاح أي مبادرة وطنية طويلة المدى.

رئيس "المجلس الاستشاري لخدمات التوحد" الأمير سعود بن عبدالعزيز بن فرحان، أكد على "قيمة العمل المشترك في بناء منظومة أكثر جودة واستدامة"، مؤكداً أن "تمكين الأسر، وتطوير الكوادر، هي أولويات نحرص عليها في كل مبادرة".

هذه الخطوة تأتي ضمن مقاربة اجتماعية - اقتصادية ترى أن "الدمج الحقيقي" لا يبدأ من التعيين في سوق العمل، بل من الإعداد والتأهيل والتدريب الذي يراعي الفروق الفردية لذوي "طيف التوحد" و"فرط الحركة وتشتت الانتباه". وأن بيئة العمل ينبغي أن تُصمم لتكون مناسبة لاحتياجاتهم بشكل طبيعي، لا أن يُطلب من المستفيدين التكيف مع أنماط جامدة لا تراعي الفروقات الفردية والاجتماعية، وهو ما يجعل لـ"المبادرة" بعداً مؤسسياً يتجاوز الرمزية، كونها تسعى لأن تضع الأساس لنموذج وطني قابل للقياس والتطوير، لا يأخذ الأفراد ليحلهم إحلالاً قسرياً في الشركات والمؤسسات، بل يمكنهم من امتلاك أدوات المعرفة والعمل، ويغير مفاهيم البيئة في الجهات التي سينضمون لها، لتكون قوانيها وأنماط الوظائف فيها أكثر مرونة وعدالة.

تجارب دولية عديدة تؤكد أن المسار الذي بدأت به "المبادرة" في السعودية قابل للتحقق إذا صُمم بطريقة علمية. ففي كندا، أسهم برنامج "Ready, Willing and Able" في خلق أكثر من 5,500 فرصة عمل خلال أقل من عقد، عبر العمل مع 20 ألف منشأة، وتقديم دعم مباشر لأصحاب الأعمال ومدربي الدمج. وهذه البنية المتكاملة قادت إلى نسب استمرارية مرتفعة في الوظائف، ما يؤكد أن نجاح الدمج يعتمد على تصميم بيئة العمل ووضوح أدوار الدعم.

في سنغافورة يقدم Autism Resource Centre (ARC) نموذجاً متقدماً عبر برنامج "Employability and Employment Centre" الذي يخدم البالغين منذ عام 2012، حيث ساعد على توظيف أكثر من 130 مستفيداً، وتدريب نحو 50 شخصاً على مهارات مكتبية ورقمية أدت إلى توظيفهم فعلياً. كما قدم التعاون بين ARC و"ستاربكس" مثالاً على نجاح تهيئة بيئة العمل؛ إذ خضع الأفراد لبرامج تدريب ميدانية داخل مقهى تعليمي، أثمرت عن توظيف مجموعة منهم في أحد فروع الشركة.

على مستوى آخر، يبرز نموذج "Specialisterne" الذي انطلق من الدنمارك وتوسع عالمياً إلى أكثر من 20 دولة، بوصفه تجربة رائدة في تحويل خصائص "التوحد" إلى قيمة مهنية في مجالات تقنية دقيقة. وقد استفاد أكثر من 10,000 شخص من البرامج في اختبار البرمجيات وتحليل البيانات، مع هدف معلن بخلق "مليون وظيفة" عبر شراكات دولية.

هذه النماذج العالمية تؤكد أن التمكين الاقتصادي لذوي "طيف التوحد" ليس مساراً خيرياً، بل مشروع تنموي قادر على خلق قيمة مضافة إذا بُني على التدريب المتخصص وتهيئة البيئات المناسبة، ووجود أخصائيين مؤهلين، ومنظومة قوانين واضحة، وأهداف عملانية تُقاس نتائجها بدقة.

"المبادرة" السعودية بالتعاون بين "هدف" و"المجلس الاستشاري لخدمات التوحد" تبدو الحاجة لها ملحة، لتحويلها مستقبلاً إلى إطار وطني شامل يشارك فيه المزيد من مؤسسات القطاعين العام والخاص، وأن تصبح "المبادرة" نموذجاً مستداماً يتوسع عاماً بعد عام، ويمنح ذوي "طيف التوحد" وأسرهم مكانتهم الدائمة في التنمية البشرية والاقتصادية، بوصفهم طاقة قادرة على الإسهام، لا فئة تبحث عن الاستثناء!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد