: آخر تحديث

فشل المسلسلات المقتبسة

0
0
0

إن تحويل المسلسلات التركية إلى مسلسلات سعودية دون مراعاة الخصوصية الثقافية، لها تأثيرها السلبي على المشاهد المحلي، فقد شهدت السنوات الأخيرة ظاهرة هذا التحويل، لغرض تقديم محتوى يجمع بين الجاذبية الدرامية التركية والطابع المحلي، غير أن هذه المحاولات كثيراً ما تصطدم بعقبة أساسية، تتمثل في تجاهل الفوارق الجوهرية بين المجتمعين التركي والسعودي من حيث العادات والتقاليد والأنظمة والقيم الاجتماعية، فهناك اختلاف السياق الثقافي والاجتماعي، حيث تُعد تركيا بلدًا ذا طابع علماني منفتح، تتداخل فيه الأنماط الغربية مع الموروث الشرقي، بينما تُبنى الثقافة السعودية على أسس دينية واجتماعية محافظة تنظم السلوك العام وتضبط العلاقات الاجتماعية وفق ضوابط واضحة، وعندما يتم نسخ قصة أو شخصيات أو أسلوب حياة من بيئة تركية إلى دراما سعودية دون تكييف واقعي، ينتج محتوى منفصل عن الواقع المحلي، يشعر المشاهد بأنه غريب عن بيئته ويفتقر إلى المصداقية، مما تؤدي هذه الظاهرة إلى تشويش المفاهيم لدى الجمهور، خصوصًا عند فئة الشباب والأطفال الذين يتأثرون بالصور والمضامين البصرية أكثر من غيرهم، حين تُعرض أنماط حياة أو علاقات أو قيم غير منسجمة مع القيم المحلية على أنها طبيعية أو مرغوبة، فتنشأ ازدواجية في المفاهيم بين ما يتلقونه من الدراما وما يتعلمونه من الأسرة والمدرسة والمجتمع، هذه الازدواجية قد تضعف الانتماء الثقافي وتُحدث نوعًا من التنافر القيمي، حيث يجد المشاهد نفسه بين واقع محافظ ودراما تُروّج لسلوكيات لا تنسجم مع بيئته، اذاً المسؤولية تقع على صناع الدراما، فمن الضروري أن يتحمل صنّاع الدراما السعوديون مسؤوليتهم في توطين المحتوى لا مجرد استنساخه، فبدلًا من استيراد قصص جاهزة يمكنهم استلهام القيم الإنسانية العامة التي تحتويها الدراما التركية " كالحب، الصداقة، الصراع بين الخير والشر" وإعادة صياغتها بما يتناسب مع البيئة السعودية، كما ينبغي للجهات الإنتاجية أن تُشرك كتّابًا محليين لديهم وعي ثقافي عميق لفهم المجتمع وتقديم أعمال تعبّر عن همومه وطموحاته دون تقليد أعمى أو افتعال، ومن اجل الاتجاه نحو دراما سعودية أصيلة، لا بد أن نعرف أن الدراما ليست مجرد ترفيه، بل وسيلة تشكّل الوعي الجمعي وتغرس القيم، لذا فإن بناء دراما سعودية أصيلة ومبدعة هو خيار استراتيجي يعزز الهوية الوطنية ويحصّن الأجيال من الغزو الثقافي الناعم، فالمجتمع السعودي يمتلك رصيدًا ضخمًا من القصص والرموز والتراث القيمي القادر على إلهام أعمال درامية راقية ومؤثرة دون الحاجة إلى استنساخ تجارب الآخرين هناك عدد من المسلسلات السعودية المقتبسة من مسلسلات تركية، من أبرزها مسلسل "المرسى" المستوحى من مسلسل "على مر الزمان"، ومسلسل "خريف القلب" المأخوذ من "الورد الأسود"، بالإضافة إلى "أمي" المقتبس من "حطام"، مسلسل المحامية، المأخوذ من المسلسل الأميركي " The Good Wife" كما يتم التحضير لمسلسل "كلان" الذي سيقتبس من مسلسل تركي، ختاماً تحويل المسلسلات التركية إلى نسخ سعودية تلفت الانتباه في البداية وفي النهاية فشل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد