: آخر تحديث

«قصر المويجعي» يحتضن «كنز الجيل»

0
0
0

علي عبيد الهاملي

من الصعب أن نفصل بين جلال الأماكن والوجوه التي مرّت في أروقتها وسكنت ذاكرتها، فالمكان حين يحفظ ملامح من مروا به، تتحول جدرانه إلى مرايا تتقن رواية الحكايات الكبرى، وتعكس صور الرجال الذي صنعوا مجد أوطانهم، وتعيد تشكيل الزمن، كما لو أنه ما زال يمشي بيننا.

في هذا القصر، الذي يشكّل متحفاً حيّاً للذاكرة الإماراتية، عاش المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عندما انتقل إلى مدينة العين عام 1946، ممثلاً للحاكم في المنطقة. وفي الغرف التي يلمع فيها أثر الخطوات الأولى نحو حلم الوطن، تشكّلت أبعاد شخصية مؤسس الدولة، وتكوّنت ملامح رؤية ستقود لاحقاً نهضةً غير مسبوقة.

لم يكن اختيار مركز أبوظبي للغة العربية «قصر المويجعي»، لإقامة حفل «كنز الجيل»، مجرد قرارٍ يحتفي بالمكان، بل كان قراراً يحتفي بالذاكرة، وبالرمز، وبالجذور التي تنبثق منها قصة الوطن. فاليوم، وبلادنا تحتفل بعيدها الوطني الرابع والخمسين، يبدو القصر وكأنه يستعيد دورَه الطبيعي، جسراً يصل بين زمنين، زمن زايد الذي أرسى الأساس، وزمن الإمارات التي تمضي بثقة نحو المستقبل.

قبل نحو قرن من الزمان بُني القصر، في عهد الشيخ زايد الأول، على يد ابنه الشيخ خليفة بن زايد بن خليفة آل نهيان. لكنه اكتسب قيمته الكبرى، عندما اتخذه الشيخ زايد، عليه رحمة الله، مقراً لإقامته، وديواناً للحكم، ومكاناً لرؤيةٍ تُصاغ في هدوء واحة العين وتحت ظلال أشجارها.

في ليلة الاحتفال تلك، بدا القصر وكأنه يفتح بواباته للحضور، محتفياً بثمرة جهد أربع دورات من جائزةٍ تحتفي بالشعر النبطي، بوصفه مرآة الروح الإماراتية، وصدى ذاكرة الشيخ زايد، عليه رحمة الله، الذي ترك في قصائده خارطةً وجدانيةً للأرض والناس والحياة. لقد جاءت الجائزة، منذ تأسيسها، امتداداً لتلك الروح التي ترى في الشعر صوتاً للهوية، وفي الكلمة وثيقةً تحفظ الإحساس قبل الحدث، لتحتفي بالتجارب الشعرية المتميزة وتكرمها.

داخل أسوار القصر، التقت مشاعر الحاضرين بفرحة المكرَّمين، فكأن الشعر يعود إلى بيته الأول، إلى المكان الذي كان الشيخ زايد فيه يستلهم من الواحة والفلج وشموخ النخيل، ما يكتبه قلب الإمارات لسنواتٍ طويلة.

لم تكن «كنز الجيل» في تلك الليلة مجرد جائزة تُمنح لشاعرٍ أو باحثٍ أو فنانٍ أو مبدع، بل كانت احتفاءً بالموروث الذي صاغ وجدان هذه البلاد، وبالقيم التي زرعها الشيخ زايد، رحمه الله، في قلوب أبنائه، محبة الأرض، والوفاء للتاريخ، والإيمان بأن الثقافة ليست ترفاً، بل ركيزة من ركائز بناء الأوطان.

وعندما أسدل الليل ستائره، وبدأ الحاضرون يغادرون أروقة القصر، بدا المكان كأنه يضمّ بين جدرانه فصلاً جديداً من حكاية الوطن. فمن هنا بدأت الحكاية قبل عقود، وهنا تستمر، ما دام في الإمارات من يكتب قصيدتها بالأمل والعمل والانتماء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد