* * *
يصعب حصر التغيرات الهائلة التي أحدثها هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل، وعلى صورة اليهودي، داخل وخارج إسرائيل، والأهم على صورة الصهيونية، عالميا، وفي أمريكا بالذات.
بالرغم من الكراهية الأوروبية التاريخية، لليهود، سواء كانت مبررة أو غير ذلك، إلا أنهم مروا بفترات كانوا فيها مثال الضحية التي تستحق العطف والحماية. كما كانوا لقرون طويلة محط حسد الكثيرين، إما لغناهم المادي أو المعرفي، ولم يسبق في كل تاريخهم، الممتد لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، أن تلطخت سيرتهم مثلما حصل في السنتين الماضيتين، بعد أن اكتشفت الغالبية، بزخم غير متوقع، ما تعنيه الصهيونية من خطر، ليس على الشعبين الفلسطيني والأمريكي، بل وعلى البشرية ككل.
فجّرت وفضحت أحداث 7 أكتوبر سرديات كانت موضع إيمان الكثيرين وتبين لهم خطؤها، فتغيرت أفكار قادة وفلاسفة وسياسيين، وفنانين ومفكرين وإعلاميين كبار، وأزالت الغشاوة عن أعينهم، وأزالت الخوف من اتهامهم بمعاداة السامية من قلوبهم، فهاجموا الصهيونية علناً، بعد أن رأوها، عارية، على حقيقتها، ووصل تأثير 7 أكتوبر حتى لعقر دار اليهود، ولمن يعيشون خارجها.
كان تاكر كارلسون Tucker Carlson، الإعلامي الأمريكي الأشهر، واليميني المتطرف «السابق»، من الأصوات الشهيرة التي خسرتها الصهيونية، كما سبق أن حدث مع الإعلامي البريطاني الأشهر بيرس مورغان، الذي كان له ولكارلسون الدور الأكبر في توعية الرأي العام في بلديهما، وما وراء ذلك بكثير. كما ساهمت مواقفهما في ترسيخ الشرخ الذي أصبحت تعاني منه الحركة المحافظة، المؤيدة للصهيونية، خاصة تلك المحيطة بالرئيس ترامب. كما كان للقائه بالمؤثر اليميني الأمريكي الشاب نيك فوينتس تأثير ضخم، فاقم من سعة شرخ الحركة المحافظة، من خلال إصرارهما على جعل مصلحة أمريكا فوق مصلحة إسرائيل، وأن «إسرائيل لا تهم»، مناقضين بشكل قوي وجهة نظر السيد ترامب وكل من سبقه من رؤساء، ووصف كالسون إسرائيل بأنها دولة غير ذات أهمية استراتيجية، وتُشكل عبئًا على أمريكا. كما أعرب عن حيرته إزاء ردات الفعل على استضافته لـفوينتس، وكيف أنه لم يفهم ما الذي يُثير هذه الإشكالية في ضيفه، سوى أن المعلق المحافظ بن شابيرو، وهو يهودي أرثوذكسي، صوّر السيد فوينتس على أنه معادٍ للسامية تمامًا كما فعلها من قبل معه. وما أثار دهشة الكثيرين بالفعل في مقابلة كارلسون مع فوينتس، عدم اكتراثه بآراء ضيفه، الشديدة التطرف في يمينيتها، مثل تشكيكه في الهولوكوست أو إعجابه بأدولف هتلر، وازدراء السود، وبالذات زوجة نائب الرئيس الأمريكية، الهندية الأصل. وهذا ما تجنب كارلسون طرحه، وحتى عندما صرّح فوينتس، خلال المقابلة بأنه «معجب» بجوزيف ستالين، اقترح كارلسون العودة إلى الموضوع، لكنه لم يفعل. ولم يُجب أيضًا عندما أعرب فوينتس عن قلقه بشأن «اليهودية المنظمة في أمريكا». وسبق أن سخر كالسون من مقولة «شعب الله المختار»، قائلاً إن لم يقم بذلك الاختيار.
وفي المحصلة النهائية كانت المقابلة، من نواحٍ عديدة، تتويجاً لعداء كارلسون المتزايد مع رفاقه المحافظين، لإسرائيل، وهو الذي طالما كان من أشدّ المدافعين عنها.
كسب كارلسون، وأمثاله العشرات، لجانب القضايا العادلة، له تأثيره البالغ في الرأي العام بدول كثيرة، وتسببت مواقفهم في شعور إسرائيل بالكثير من القلق، خاصة مع قيام الإعلامية والمؤثرة ميغان كيللي في دعم كارلسون، وأدانه منتقدوه من أمثال شابيرو ومارك ليفين. علما بأن الرئيس ترامب ونائبه لا يزالان على صداقتهما لكارلسون.
أحمد الصراف

