حين سأل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء «حفظه الله»: هذا القلم.. ليش ما نصنعه في السعودية؟، نقلاً عن وزير الاقتصاد والتخطيط سابقا محمد التويجري، في برنامج «حكاية وعد، لم يكن يقصد أداة بسيطة بقدر ما كان يستدعي سؤالاً أكبر: لماذا نستهلك أدواتنا ولا نصنعها؟ كان القلم مثالاً دقيقاً لحجم الفجوة بين استهلاكنا وقدرتنا على الإنتاج، ورمزاً صامتاً لغياب المحتوى المحلي في تفاصيل يومنا.
لم يعد هذا السؤال رفاهية فكرية، بل صار قضية محورية. كيف يمكن لوطن بحجم السعودية، بإمكاناته وموارده وعقوله، أن يستورد حتى أبسط أدواته اليومية؟ ليس الحديث عن القلم وحده، بل عن كل منتج يمر بين أيدينا ولا يحمل بصمتنا.
من هنا جاء مفهوم المحتوى المحلي ليكون في قلب التحول الوطني عبر رؤية المملكة 2030، ليعيد ترتيب العلاقة بين ما نستهلكه وما نصنعه. لم يعد المطلوب أن نرفع شعارات فضفاضة عن الصناعة المحلية، بل أن نعيد تعريف القيمة الحقيقية لكل منتج، مهما بدا صغيرًا أو هامشيًا. أن نصنع القلم ليس ترفًا، بل اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرتنا على بناء اقتصاد لا يتكئ على الخارج، ولا ينتظر من العالم أن يصنع له أدواته.
يمكن تعريف المحتوى المحلي على أنه حجم مساهمة الجهات الحكومية أو الخاصة أو أفراد المجتمع في توجيه نفقاتهم نحو القوى العاملة والسلع والخدمات والأصول الإنتاجية والتقنية داخل المملكة العربية السعودية، بهدف الحفاظ على أكبر قدر ممكن من المصروفات داخل المملكة العربية السعودية.
المحتوى المحلي ليس مجرد نسبة تُكتب في تقارير الشركات، بل ثقافة إنتاجية كاملة تعني أن نملك المعرفة والخبرة والقدرة على تحويل المادة الخام إلى منتج يحمل اسمنا. تعني أن نرى «صُنع في السعودية» ليس فقط على صناعات ضخمة، بل على كل تفاصيله في حياتنا اليومية، من القلم الذي نكتب به، إلى السيارة التي نقودها، وحتى التكنولوجيا التي نستخدمه، ونؤمن أن كل منتج نصنعه هو خطوة نحو وطن أقوى، واقتصاد أكثر قدرة على الصمود.
بدأت ملامح التغيير تظهر، من تجارب عديدة في قطاعات مثل الطاقة والتقنية والصناعات العسكرية.. وتجربة تصنيع الإنسولين محلياً كانت واحدة من أهم خطوات كسر التبعية في قطاع حساس كالصحة، لم تعد حياة مرضى السكري مرهونة بمصانع بعيدة، بل أصبح الدواء يُنتج داخل المملكة، بأيدٍ وطنية، وتحت إدارة تُدرك أن الاستقلال في الدواء جزء من سيادة القرار الوطني.
وليس بعيداً عن الصحة، جاءت نوبكو كمثال آخر على استعادة السيطرة على سلسلة الإمداد الطبي، لم يعد الدواء والمستلزم الطبي مجرد سلعة مستوردة، بل صار جزءاً من مشروع وطني كبير يعزز الاقتصاد ويصنع المعرفة ويرفع نسبة المحتوى المحلي في قطاع بالغ الحساسية والأهمية.
ختاماً، إن نصنع القلم ليس ترفاً، بل خطوة رمزية نحو صناعة أكبر، أن نكتب عبارة «صُنع في السعودية» على كل منتج نستخدمه يعني أننا بدأنا نؤمن بأن الاكتفاء الذاتي ليس حلماً بعيداً، بل مسار حتمي لوطن يريد أن يكتب مستقبله بيده.

