علي عبيد الهاملي
ما إن لامست عجلات طائرة طيران الاتحاد (الرحلة رقم EY651)، أرض مطار الكويت الدولي، فجر يوم الثلاثاء، الثاني من ديسمبر 2025 م، حتى انفتحت أمامي طاقةٌ من الذكريات. كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تحتفل في هذا اليوم بعيدها الوطني الرابع والخمسين، وكنت مدعوّاً من وزارة الإعلام الكويتية، للمشاركة في حلقةٍ خاصةٍ من برنامج «ليالي الكويت»، يقدمها تلفزيون الكويت عن دولة الإمارات العربية المتحدة في هذه المناسبة.
تذكرت عندما كنت طفلاً أمارس هواية جمع الطوابع، شأني شأن معظم أطفال جيلي، ومن بين مجموعة الطوابع التي كنت أحتفظ بها، كان هناك طابعٌ عزيز على قلبي، عليه صورة مبنى (وزارة الإرشاد والأنباء) الكويتية، الاسم القديم لوزارة الإعلام في دولة الكويت قبل الاستقلال. كان الطابع ملصقاً على ظرف، مكتوب على الطرف العلويّ الأيمن منه (الكويت – بلاد العرب). كانت هذه العبارة تُكتَب على مراسلات الوزارات والدوائر الحكومية والطوابع والكتب المدرسية في الكويت، قبل الاستقلال، وظل قائماً بعد استقلال الكويت بفترة. الأمر الذي يعكس التزام هذا البلد بهويته القومية العربية، رغم ما تعرض له من غدر.
كانت الإمارات وقتها تتلمس طريقها نحو المستقبل، وتتطلع إلى اللحاق بشقيقاتها من دول الخليج، وكان قطاعا التعليم والصحة من أهم القطاعات التي تسعى إلى تطويرها. وقتها وجدت الإماراتُ الكويتَ حاضرةً، تمد يد العون دون منّ. ففي عام 1953، جاءت إلى الإمارات لجنةٌ ضمت كلّاً من أحمد البشر الرومي عضو مجلس المعارف في الكويت، وعبد العزيز حسين مدير المعارف، والمصور عبد الرزاق بدران. وبعد ثمانية أيام، قامت اللجنة خلالها بجولة في الإمارات الشمالية، رفعت تقريراً باحتياجات المدارس التي كانت قائمة في تلك الفترة، وبدأ دعم الكويت للإمارات يتدفق في مجالات التعليم والصحة، ثم الإعلام لاحقاً، وأنشأت دولة الكويت مكتباً في دبي، لمتابعة أمور المساعدات.
ومثلما عرفْتُ الكويتَ، وأنا طفل، صورةً على طابع بريد، عرفتُها كتاباً تعليميّاً، ودفتراً عليه صورة أميرها الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح، عليه رحمة الله، في المدرسة الابتدائية، وعرفتُها مستشفى في منطقة «البراحة» بديرة في دبي، كانت والدتي، عليها رحمة الله، تأخذني إليه كلما أحسست بوجعٍ ما، وعرفتها محطةً تلفزيونيةً أنشأتها دولة الكويت في دبي عام 1969 م، تحت مسمى «تلفزيون الكويت من دبي». وقتها لم أكن أعرف أن القدر قد كتب لي أن أعمل مذيعاً في هذه المحطة، التي أهدتها دولة الكويت لوزارة الإعلام، بعد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 م.
تمر السنوات، وأنهي دراستي الجامعية، ثم ألتحق عام 1980 بالعمل في «تلفزيون الإمارات العربية المتحدة من أبوظبي»، رئيساً لقسم الأخبار. وبعد شهورٍ قليلةٍ، يتم تكليفي بحضور دورةٍ في «الأخبار والأقمار الصناعية» بدولة الكويت. وأثناء وجودي في الكويت، يصدر قرارٌ بترقيتي إلى منصب نائب مدير عام التلفزيون. بعدها أصبحَتْ زياراتي للكويت لا تنقطع، حضرت فيها مهرجان الخليج للإنتاج التلفزيوني، قبل أن ينتقل المهرجان إلى مملكة البحرين. كما حضرت عشرات الاجتماعات والمؤتمرات والندوات، وزاملت قاماتٍ إعلاميةً كويتيةً كبيرة، فقد كان الإعلام الكويتي وقتها، وما زال، مدرسةً نتعلم منها. وعندما غزا نظام صدام حسين الكويت واحتلها عام 1990، شعرت بأن خنجراً انغرس في قلبي، وكنت وزملائي، في تلفزيون أبوظبي، ننام في مكاتبنا، سبعة شهورٍ، حتى تحررت الكويت، وعادت إلى حضن أبنائها ومحبيها.
«علاقاتنا مع الكويت علاقة أخوّةٍ ومحبةٍ وقربى، كانت السند قبل الاتحاد وبعده، واليد التي امتدت لتعطي وتساعد وتساند، وما زالت وقفاتهم معنا إلى اليوم وقفاتٍ صادقة. واليوم ندعو مجتمع الإمارات ومؤسساتها للاحتفاء بعقودٍ من هذه الأخوّة، بدءاً من 29 من شهر يناير القادم، ولمدة أسبوع. الاحتفاء بالكويت وقيادتها وشعبها الكريم، واجبٌ علينا. حفظ الله الكويت وأميرها وشعبها، وأدام عزها ومجدها».
بهذه الكلمات المفعمة بحب الكويت، غرّد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عبر حسابه على منصة «إكس»، داعياً شعب الإمارات للاحتفاء بعلاقات الأخوّة مع دولة الكويت، تعبيراً عن حب أهل الإمارات للكويت.
شكراً من القلب لفريق برنامج «ليالي الكويت»، الذي استضاف نخبةً من أبناء الإمارات، تشرّفْتُ بوجودي بينهم، فكانت «ليلة في حب الإمارات» ولا أروع، وكانت هذه الذكريات الجميلة.
وتسألوننا لماذا نحب الكويت!

