أحمد الجميعة
رغم التحديات والتطورات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، والمواقف الدولية المعلنة من الصراع القائم، والمفاوضات الجارية بين طرف وآخر، إلّا أن الموقف السعودي تحديداً يبقى الأكثر وضوحاً وعمقاً في حل الصراع، وإنهاء الفوضى والحروب، من خلال إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، والمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ورفضها القاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، سواء من خلال سياسات الاستيطان، أو ضم الأراضي، أو التهجير، ومطالبة المجتمع الدولي برفع المعاناة الإنسانية القاسية عن الشعب الفلسطيني، وهذا الموقف السعودي الثابت ليس محل تفاوض أو مزايدات، وإنما لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة.
السعودية في هذا التوقيت تدرك أن عصب الصراع هو القضية الفلسطينية، ومهما اتسعت جغرافية الحرب، أو تعددت أطرافها، أو الأيديولوجيات التي تقف خلفها؛ يبقى الحل بإقامة الدولة الفلسطينية، ولهذا عملت في مسار آخر مختلف عن ردود الفعل من الأحداث الجارية في المنطقة، والحروب التي أثقلت كاهلها، وأنهكت جميع القوى المرتبطة بها، وسارعت بجهودها ومكانتها وعمق تأثيرها إلى صناعة الفعل، من خلال حشد دولي للاعتراف بدولة فلسطين، وأثمرت عن اعترافات دول فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وسنغافورة، ودول أخرى، وذلك استعداداً للتحضيرات الجارية لعقد المؤتمر الدولي للسلام على مستوى القمة العالمية بنيويورك في 22 سبتمبر المقبل.
الموقف السعودي من قبل أحداث السابع من أكتوبر 2023 وتداعياتها المستمرة إلى اليوم؛ وهو متمسك بحل الدولة الفلسطينية، وهذا الموقف الثابت ترى فيه السعودية مخرجاً وحيداً لإنهاء الصراع، والفوضى، وشرطاً لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، والانخراط في مشروع تنموي إقليمي يرتكز على الابتكار، والتكامل الاقتصادي، والبُنى التحتية المشتركة.
من يتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال هذه الفترة؛ يدرك أن الإسرائيليين أنفسهم هم من يواجهون تخبطات حكومة نتنياهو، ويطالبونها بوقف الحرب والعيش بسلام، فحالة الإنهاك في الداخل الإسرائيلي وصلت إلى مرحلة صعبة جداً، ولم يعد الاستمرار في الحرب هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع، بما في ذلك محاولات السعي إلى احتلال غزة، وهو ما سيكون قراراً كارثياً على المنطقة والعالم.
فرص السلام التاريخية التي تعمل عليها السعودية اليوم مع حلفائها تمهّد الطريق إلى مرحلة جديدة من العيش المشترك، والاستقرار، وتوازن المصالح، كما أن صانع القرار الإسرائيلي يدرك أن الاقتصاد بات عمقاً إستراتيجياً جديداً للبناء والتنمية بدلاً من التدمير والفوضى في المنطقة، ومجالاً واسعاً للاستثمار، وبناء المستقبل المزدهر الذي يعيد الشرق الأوسط إلى واجهة العالم.