عمر الطبطبائي
كل من صافح المجد سبق أن صافح الألم، ففي هذا العالم الجميع يحب الحديث عن النجاح، لكن لا أحد يتحدّث عن الفشل، يعلقون الشهادات على الجدران، ويخفون الهزائم في الأدراج، نمجد قصص من وصلوا للقمة، ونخفي حكايات من سقطوا، كأن السقوط عار، وكأن من لم ينجح لم يكن إنساناً.
لكن الحقيقة أن الفشل جزء أصيل من الطريق، هو الدليل الخشن الذي يرشدك للذات، والمعلم الذي لا يضحكك لكنه يفهمك.
ما من حكيم إلا وذاق مرارة الفشل يوماً، وكل إنسان صادق مر بلحظة خذل فيها نفسه قبل غيره.
في مجتمعاتنا، لا نربي أبناءنا على تقبل السقوط، بل نحملهم خيبة أحلامنا، ونلقنهم أن التفوق هو الطريقة الوحيدة كي تحترم، ولهذا يكبرون خائفين لا من الامتحان بل من النتيجة، لا من الحياة بل من الخيبة، ويصبح الفشل عندهم نهاية لا بداية!
لكن صدقني:
الفشل لا يقتلك، هو فقط يزيل الغبار عنك، يعيدك إلى نفسك لا إلى الناس، ويمنحك هدية لا تقدر بثمن، أن تعرف من أنت، بلا أقنعة، بلا جمهور، بلا ضوء.
لكن لنعترف بصدق، ليس كل فشل شريفاً، أحياناً نسقط لأننا اجتهدنا وفشلنا، وأحياناً نسقط لأننا تمادينا في العناد، أو استسلمنا للكسل، أو تجاهلنا إشارات الطريق، وهنا لا يكون الفشل معلماً نبيلاً، بل نتيجة طبيعية لسلوك لم نحسن إدارته، فالفشل النبيل هو الذي يأتي بعد محاولات جادة، بعد نية صادقة وجهد حقيقي، أما الفشل الذي نصنعه بأيدينا ثم نغلفه بالحِكم فهذا هروب لا وعي، والصدق مع النفس يتطلّب أن نعرف، هل تعثرت رغم محاولاتك؟ أم أنك لم تحاول أصلاً؟
كم من فكرة عظيمة ولدت بعد أن سقط صاحبها في حزن عميق؟، وكم من نجاح كبير كان في الأصل نتيجة خطأ؟، لكننا لا ندوّن الأخطاء بل نحذفها من القصة، لهذا تبدو قصص النجاح زائفة لأنها بلا جروح.
علموا أبناءكم أن الفشل ليس عيباً، وأن الوقوع لا يسقط الكرامة، بل يكشفها، وأن الذين سقطوا ثم نهضوا هم وحدهم الذين يحق لهم أن يقولوا «لقد نجحت».
فالحياة ليست أن تفوز دائماً، بل أن تخسر بشرف، وتقوم بكرامة، وتمشي حتى وإن لم يصفق لك أحد!
اللهمّ قد قلنا ما في ضميرنا فكن لنا شهيداً.