: آخر تحديث
هاشتاك الناس

شامبو الانتخابات

1
0
0

في العراق، لم تعد الحملات الانتخابية مناسبة وطنية لتقديم الرؤى والنقاشات الجادة حول حاضر الدولة ومستقبلها، بل تحولت إلى ما يشبه السوق الدعائية المفتوحة، حيث تُعرض الوجوه والشعارات كما تُعرض السلع في الإعلانات التجارية، بلغة رنانة، وصور لامعة، ووعود "مغلفة" بعناية تسويقية تُغري المواطن بالتصويت، لا بالاقتناع، بل بالإيحاء والإلحاح البصري.

لا يُحتاج إلى الكثير من الجهد لتشعر أن الموسم الانتخابي قد بدأ. فالشارع يتحول إلى معرض دائم للملصقات، وكل مساحة عامّة تصبح منصة إعلانية مجانية، تمتد من أعمدة الكهرباء إلى جدران الأبنية، وحتى أبواب المدارس والمستشفيات، في مشهد يوحي بأن السياسة فقدت طابعها الجوهري، لتُصبح أقرب إلى "براند" يُروّج له بحملات مدفوعة، لا بفكر يُناقَش أو مشروع يُقاس.

تُنتج الأحزاب السياسية حملاتها الانتخابية كما تُنتج شركات التسويق التجاري إعلاناتها. تُدرس الألوان، وتُختار العبارات، وتُضبط زوايا الابتسامة في الصورة بدقة، وكأنها جلسة تصوير لمنتج استهلاكي، لا لمرشح يسعى لتحمل مسؤولية تشريعية أو تنفيذية.

الملصقات الدعائية لا تكتفي بتزيين الشوارع، بل تهيمن أيضًا على الفضاء الرقمي، عبر إعلانات ممولة تتكرر بشكل لحوح في كل منصة، حتى يظن المتابع أن "الحل" بات وشيكًا، وأن "القائد المنقذ" أصبح قاب قوسين أو أدنى، بالرغم من أن الوجوه، في معظمها، لم تقد شيئًا سوى مواكبها، ولم تنجز من المشاريع إلا ما يُذكر في سطور السيرة الذاتية التي غالبًا ما تُفبرك هي الأخرى.

تمامًا كما في الإعلانات التجارية، يُباع الوهم على أنه واقع. يُوعد المواطن بمستقبل أفضل، تنمية، خدمات، أمن، فرص عمل، كما يُوعد المستهلك بنتائج مذهلة لمنتج تجميلي. لكن كما تنتهي التجربة بخيبة عندما لا يفي المنتج بوعوده، كذلك تنتهي الدورة الانتخابية بمزيد من الإحباط، حين يتبيّن أن ما رُوّج له لا يعدو كونه تغليفًا فاخرًا لفشل قديم.

بعض المرشحين، ممن لا يملكون خبرة ولا كفاءة، يجدون في الحملات الإعلانية فرصة لصناعة صورة وهمية عن أنفسهم، كما تصنع بعض العلامات التجارية منتجًا رديئًا في عبوة أنيقة. فترى من لم يقد مؤسسة صغيرة، يطرح نفسه كصاحب رؤية وطنية شاملة. ومن لم يُعرف له أي أثر اجتماعي أو فكري، يُبشّر بـ"نهضة اقتصادية" لا يعرف مفرداتها، ولا أدواتها.

الحملات الإعلانية هذه لا تأتي من فراغ، بل تُموَّل من موارد ضخمة، مجهولة المصدر أحيانًا، حزبية غالبًا، وتُصرف ببذخ غير مبرر. فكيف لمرشح بلا وظيفة، ولا إرث سياسي، أن يغرق الشوارع بالإعلانات، ويموّل مئات المنشورات الرقمية؟ الجواب يكمن في شبكة المصالح التي تربط بعض المرشحين بأحزاب متنفذة، ترى في المرشح واجهة استثمار، لا صوتًا مستقلًا.

الخطورة في هذا التماثل بين السياسة والإعلان التجاري، أن السياسة تفقد معناها، وتُختزل إلى مناسبة شكلية، تهيمن عليها الأدوات الدعائية بدل المضمون. فيصبح الفوز في الانتخابات مرهونًا بحجم الحملة، لا بعمق المشروع، ويُقاس التأثير بعدد الصور، لا بمستوى الوعي.

وحين تتحول الحملات الانتخابية إلى ما يشبه "إعلانات تجارية موسمية"، يفقد المواطن ثقته لا بالمرشح فقط، بل بالديمقراطية ذاتها. ولا خلاص من هذا المشهد إلا حين يُعيد الناخب تموضعه، لا كمستهلك دُفِع دفعًا نحو الخيار الأسهل، بل كمواطن حرّ، يملك أدوات التقييم، ويُحسن التمييز بين "سلعة سياسية"، و"مشروع وطني حقيقي".

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.