: آخر تحديث

يبدو الأمر دائماً مستحيلاً.. حتى يتم تحقيقه

2
0
1

العنوان يمثل مقولة لـ«مانديلا»، الذي بقي سجيناً لـ27 عاماً، قبل أن يخرج ليصبح رئيساً لجنوب أفريقيا، وينهي الفصل العنصري، ويحقق مصالحة مستحيلة بين الأفارقة والسكان البيض، ويحقق مستحيلات أخرى.

***

ليس مهماً كون الرئيس الجديد لبلدية مدينة نيويورك، زهران ممداني، أول مسلم، وأول مهاجر من أصول جنوب آسيوية، وأصغر من تولى هذا المنصب المرموق، بل كيف وصل مثله لمنصب رئيس مجلس إدارة أعظم مدينة عرفها العالم، وبالذات في هذا الوقت العصيب، الذي تمر به أمريكا، حيث مثل لحظة تاريخية للأقليات المهمشة، ومن هللوا وسعدوا بوصوله لمنصبه، واعتبروا الأمر انتصاراً للإسلام سيصدمون حتماً لمعرفة أنه أمريكي نيويوركي، أولاً وأخيراً، وإسلامهم لا يعني له حتماً الكثير، ففي خطاباته تقرّب من اليهود واحترم خياراتهم، وكسب أصوات الكثير منهم، كما كسب المثليين لجانبه، وأيضاً من منطلق احترام خياراتهم، وتعهد بدعم برامجهم بـ65 مليون دولار. وسيصدم السني لاكتشاف أنه شيعي، وأن والدته هندوسية، ممن يقدسون البقر، وسيصدم الشيعي لاكتشاف أن زوجته سنية، وأمه كافرة، وسيكرهه الطرفان، ومعهما الإخوان، لأنه مناصر قوي لحركة المثليين، وأنه اشتراكي النزعة، وصاحب أفكار يسارية، والأخطر من ذلك مؤمن صلب بالديموقراطية، ورافض لدولة الخلافة، ولا يرى عيباً في من ارتد عن دينه، أو لا يؤدي الفروض، فهذه أمور شخصية لا علاقة له بها، فمواقفه المتسامحة، وهذا هو المهم، جاءت من فكره الحر، الذي اكتسبه في بيت علم وعلماء، يؤمنون بالتعايش مع الغير ومع التعددية، ومع وضع المعرفة فوق كل اعتبار، وبالتالي لم يفز ممداني لأسباب عاطفية عنصرية أو مذهبية، بل فاز لأسباب عملية ومادية، فقد وجد فيه الناخبون المرشح الذي سيجعل مدينتهم مكاناً أفضل للعيش، من خلال العديد من السياسات التقدمية الجريئة، التي وعد بطبيقها، مثل تجميد الإيجارات، وهذا سيفيد أكثر من مليونين من ساكني الشقق، كما وعد ببناء 200 ألف منزل جديد بأسعار مخفضة وشروط ميسرة، وتقديم رعاية مجانية للأطفال من عمر 6 أسابيع إلى 5 سنوات، لتخفيف العبء المالي عن كاهل أُسر كثيرة، كما وعد بجعل التنقل بالحافلات مجاناً، وفتح العديد من متاجر البقالة في كل حي، لتقديم أغذية صحية، وبأسعار الجملة، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتحسين جودة الحياة، وجمع النفايات بكفاءة أكبر وغيرها.

سيحتاج ممداني للكثير من المال لتنفيذ وعوده، ولا حل أمامه غير رفع الضرائب على الأثرياء والشركات الكبيرة، وهذا هو الخطر الذي استشعر به مناوئوه، من الجمهوريين، والرئيس ترامب، الذي وصفه بالشيوعي الخطير، بسبب خططه الإصلاحية، واهتمامه بأصحاب الدخل المتواضع، ومن المتوقع أن يواجه تحديات كبيرة في سعيه لتنفيذ وعوده، فهو بحاجة لدعم مشرّعي الولاية لخططه. وهناك خشية من هجرة الأثرياء والشركات الكبيرة لنيويورك، هرباً من الضرائب. وقد يوقف ترامب التمويل الفدرالي عن المدينة العريقة، التي أصابها الوهن.

أمريكا والعالم أمام تجربة فريدة، وستكون نقطة تحول هائلة، وعلامة على ضجر الأمريكيين من ترامب وسقطاته وسياساته.

والاستحالة في حالة ممداني تمثلت في أن احتمالات فوزه بالمنصب، وهو الذي أصبح أمريكياً عام 2018، في بداية 2025، وفق استطلاعات الرأي، لم تتجاوز الـ 1%. وقدّر فريقه الانتخابي، بعد ستة اشهر، أن احتمالات فوزه قد تبلغ 3%، ومع هذا حصد أكثر من 50% من أصوات الناخبين، بالرغم من كل قوة وشراسة أعدائه، وعلى رأسهم الرئيس ترامب، وأغلبية يهود المدينة، مع كل ما امتلكوا من مال ونفوذ، وسيسعى هؤلاء إلى عرقلة كل جهوده وخططه!


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد