خالد بن حمد المالك
لا أعتقد أن إسرائيل سوف تلتزم بخطة ترمب للسلام، أو أن تتوقف عن استكمال حربها في غزة، فالهدف كان استرداد الرهائن والجثامين، وقد تحقق لها ذلك، وبقي نزع سلاح حماس، والقضاء على الحركة، ومنع أي دور لها في إدارة القطاع، وهذا ما يجري الآن، دون النظر إلى وجود اتفاق مُلزم لإسرائيل لوقف إطلاق النار، خاصة وأن حماس تنفذ ما هو مطلوب منها بالإكراه في ظل هزيمتها في الحرب.
* *
الدور الآن على أمريكا والوسطاء والضامنين لإلزام العدو الإسرائيلي بالتوقف عن جرائمه، وفتح الطريق لاستكمال متطلبات تنفيذ خطة ترمب للسلام، وبالتالي السماح لدخول الأدوية ومواد الغذاء، وفتح المعابر، والسماح لمن يرغب من عناصر حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى بالخروج من القطاع عبر ممر آمن، لا يتعرَّض خروجهم وهم في الطريق إلى اعتداء من إسرائيل، بما يخالف ما تم الاتفاق عليه.
* *
إسرائيل كما هو تاريخها لا تلتزم بأي اتفاق، وتنتحل من الأكاذيب والادعاءات ما تعطي بها لنفسها الحق في الخروقات، بعد أن تكون قد حققت من أي اتفاق أهدافها، بمثل ما يحدث الآن، فبعد الإفراج عن الرهائن والبدء في تسليم الجثامين لم تتأخر يوماً واحداً عن استئناف القتال دون رد من حماس، أو ضغط من الولايات المتحدة الأمريكية، أو نجاح في وقف اعتداءات إسرائيل بعد جهد بذلته الدول الضامنة والوسيطة في إقناع حماس والفصائل الفلسطينية بقبول خطة ترمب.
* *
حتى لو توقفت إسرائيل عن استمرارها في الحرب ستكون في حالة حرب من نوع آخر، وأعني بذلك شروطها في إدارة القطاع، الأجزاء التي لن تتخلى عنها من أراضي قطاع غزة لضمان ما تسميه بأمنها، وتدخلها في تعمير ما هدمته في الحرب دون أن تتحمَّل فلساً واحداً في إعمار ما ارتكبته من جرائم لتقويض المباني، وتحويلها إلى أكوام من التراب.
* *
المشكلة لم ولن تنتهي باتفاق سلام مزعوم، وفقاً لخطة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فالقضية لا يحلها إلا اصطفاف أمريكا مع الـ159 دولة التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، بأن تعلن هي الأخرى اعترافها، وتبدأ الترتيبات لمولد الدولة الفلسطينية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ومؤتمر نيويورك، وشبه إجماع أعضاء منظمة الأمم المتحدة، والمبادرة العربية، واتفاق أوسلو، والطرح الموزون بالتوجه نحو خيار الدولتين.
* *
وبدون دولة فلسطينية على أراضي 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، تلم شتات الفلسطينيين، وتحميهم من القهر والظلم والاستبداد الإسرائيلي، وتمكنهم من حكم أنفسهم بأنفسهم، فإن السلام سيظل بعيد المدى، وستكون خطة ترمب كسابقاتها حبراً على ورق، وبلا قيمة، وستظل إسرائيل مرعوبة، وخائفة، وقلقة، وغير مستقرة، حتى وإن امتلكت القوة، والسلاح المتطور، والدعم العسكري والمالي من بعض الدول الكبرى، وبالتالي فإن الخيار الأمثل والأجدى لاستقرار دائم لإسرائيل والمنطقة لن يتحقق ما لم تكن هناك دولة فلسطينية حرة وديمقراطية، استجابة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
* *
أعرف أن إسرائيل لن تقبل بذلك، ما بقيت أمريكا تدعم موقفها، وتتفهّم مخاوفها، وتصدّق أكاذيب وروايات قادة هذا الكيان المحتل، الذي أساء لصورة أمريكا، وهزّ من مكانتها بين دول العالم، فيما أن أمريكا تستحق التقدير والتبجيل لو اتجهت سياستها إلى ما يعزز العدل بالإنصاف، وإحقاق الحق، دون مجاملة أو انحياز، أو ظلم، وآن لواشنطن أن تعيد النظر في تعاملها مع هذه القضية التاريخية الشائكة.

