: آخر تحديث

محطة «عين»

3
3
3

الإعلام ثم الإعلام ثم الإعلام.

اتذكر منذ سنوات طويلة، جمعني لقاء مع احد وكلاء وزارة الاعلام للحديث حول امر ما.

لفت نظري ملف امامه، وقد تَعَنوَن باسم «عين وشعار لـ(عين)» رُسمت بشكل تجريدي.

سألته عنه، فرد ان هذا مشروع نحن بصدد العمل عليه، ويحاط حاليا بسرية تامة.

وزارة الاعلام تعتزم انشاء محطة اعلامية اخبارية كويتية عربية اسمها «عين»، فانفرجت اساريري وطرت فرحا، لأن ما سمعته آنذاك كان يمثل اقصى امنياتي الاعلامية، لما يمكن ان تجنيه الكويت من مثل هذه المحطة، خاصة اذا كانت تتميز بالقوة والسمعة والمصداقية الكبيرة، مثل بعض المحطات العالمية والعربية «وهي نادرة» للاسف.

لم تتحرك أوروبا اليوم فجأة في موضوع غزة حباً في العدالة أو شفقةً على الأطفال الذين تساقطوا، وما زالوا، جوعاً أو ضحايا قصف وهدم بيوت. الصورة التي رسمها الإعلام الغربي قبل اكثر من شهرين لم يعد هو ذاته اليوم، فقد تغيّرت الصورة واقتربت اكثر من صميم الكارثة وواقعها المؤلم.

عدسات الاعلام الغربي تجاهلت طويلا مشاهد القصف والجوع، عن عمد، في تلفزيوناتهم ونشراتهم الاخبارية، بعد ان التزمت كل هذه الاطراف الاعلامية الصمت والحذر، مكتفية بوصف ما يحصل «بحق الدفاع عن النفس».

كلمات «مجاعة» و«كارثة إنسانية» استُجِدت على صدر الصحافة الغربية بعد ان وصل الوضع الانساني في غزة الجريحة الى مرحلة لا يمكن غض النظر والطرف عنها، بأي حال من الاحوال. بعد ان أكلت آلة الحرب الاسرائيلية ومخالب الاجرام الصهيوني اعدادا هائلة من اطفال ونساء غزة.

نحن العرب، للاسف، وقفنا متفرجين مترددين، وكأننا نحتاج موافقة نشراتهم الإخبارية ليرتفع صوتنا وتتحرك اوصالنا.

الإجماع الأوروبي الحالي الذي بدأ يعلو صوته وتزداد حدته حول ضرورة «حلّ الدولتين» جاء متأخرا جدا (بافتراض انه لمصلحة الفلسطينيين)، بعد ان التهم الجوع أطفال غزة وتحولت غزة الى ركام ردمت تحته اجساد اهلها.

مؤلم جدا الوصول الى حقيقة ان مسار القضايا الإنسانية في منطقتنا العربية (بشكل عام)، تبدأ دائما من غرف اخبار الغرب وليس من ميدان الحدث، وهم الذين يصيغون الحدث كما تسمح لهم مصالحهم، وهم من يحددون متى تتصدر صفحاتهم ونشراتهم الاخبارية، ومتى تختفي بين سطور الصفحات الداخلية.

ذكرت في مقال سابق ما حصل بيني وبين سائق صومالي في لندن، الذي استغرب فاغرا فاه، عندما سمع مني كل ما حصل داخل الكويت إنسانيا من جراء الغزو والاحتلال العراقي للكويت عام 1990، حين كان الإعلام آنذاك مغلقا بسبب غياب وسائل التواصل، وقبله الحصار الإعلامي العراقي على الكويت، الذي كان يراقب كل قصاصة ورق تخرج من الكويت أو يجدها مخبأة في أحد البيوت الكويتية، متوعدين بأقصى العقوبات، التي تصل إلى الإعدام، فالكويت داخليا، آنذاك، كانت مغلقة إعلاميا بشكل كامل، إلا من محاولات صعبة جدا قام بها بعض ابطال الكويت لتسريب معلومات حول ما يحدث بالداخل الكويتي، حينها مات الجانب الإنساني في كارثة الاحتلال العراقي الكويت أشهراً طويلة، وغابت الحقائق عن كل المتابعين من الخارج.

سؤال: لماذا لا يسمع احد صوتنا إلا إذا تبناه آخرون اقوياء اعلاميا؟

الجواب: لأننا لا نملك اداة اعلامية قوية مؤثرة تصل لاقاصي العالم، وتتحدث عن الحقائق كما هي، لا كما يريدها الغرب، او العدو؟

للاسف واقعنا مر، في ظل القهر والظلم الذي يحيط بأهلنا في غزة، والامر الاكثر مرارة اننا لا نعرف الاجابة عن كل التساؤلات السابقة الا بإجابات ثورية تغلفها الحماسة.. متناسين الواقع القاسي الذي نعيشه، وهو اننا نعيش على فتات اهتمامات الغرب، رغم اننا نملك المال والقدرات على تحويل الاحلام لواقع، وتحويل مشروع«عين» الى عين حقيقية.


إقبال الأحمد


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد