: آخر تحديث

ماذا تريد إسرائيل؟

6
5
6

مسرح الموتِ في فلسطين يتَّسع، ويتَّسع، ليشملَ أبعد من فلسطين. كل الشواهد تؤكد أنَّ الإقليم بات على الحافة، وقرار «الكابينت» الإسرائيلي باحتلال قطاع غزة بالكامل، وتقطيعه إلى كانتونات، ينذر بخطر شديد على خرائط المنطقة بالكامل، ويحمل في طياته شراراً قد يتطاير إلى سائر دول العالم.

وينذر أيضاً بتدمير خطط العالم بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، بل إن قرار «الكابينت»، ستكون له تأثيرات وعواقب مهلكة، إذ إنه سيخلط الأوراق، وسيصنع حالة صدام كبرى، وغير مسبوقة، بعيداً عن استراتيجيات السلام والاستقرار، واحترام سيادة الدول، والقوانين الدولية.

لا أبالغ إذا قلت إنَّ هذا القرار سوف يصيب خرائط الإقليم بعاهة استراتيجية مزمنة، إذ إن قرار «الكابينت» الخطير، بتداعياته الأخطر، بإعادة احتلال قطاع غزة، وإرجاعه إلى ما قبل عام 2005، عندما انسحب منه آرييل شارون أحادياً، يؤدي إلى تدمير كل الخطوط التي صاغها المجتمع الدولي في هذا الصراع، وكذلك لا يقل خطراً عن قرار الكنيست الذي أوصى بالسيطرة الأمنية على الضفة الغربية.

ما يعني أن دولة الاحتلال تعمل على تحويل الجرح الفلسطيني النازف، منذ ثمانين عاماً، إلى عاهة مستديمة، قد لا تفلح معها الوصفات الاستراتيجية التي قدمها المجتمع الدولي أو المنطقة، مما يعني أخيراً إشعال حروب واتساع الصراعات من دون توقف.

وهذا ما يفكر فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تحت مفهوم الحرب التي تلد أخرى، رغبة في اتساع خريطة إسرائيل؛ لا لتشمل فلسطين التاريخية وحدها، بل تتعداها إلى دول عربية أخرى، فيعبث بسيادة الدول واستقرارها، وإشاعة مفهوم الصدام المستمر، وهذا سيقود إلى الفلسفة الرامية إلى صناعة عاهة استراتيجية مستديمة في قلب العالم، وبالتأكيد هذا المفهوم سيستدعي القوى الأجنبية والعالمية إلى الانخراط في قلب الإقليم، ليصبح المسرح الدموي الدائم، وهنا نستدعي خطاب نتنياهو في الكونغرس الأميركي، العام الماضي، الذي جاء فيه بلا مواربة، أنه يسعى إلى تكوين تحالف دولي للحرب في الشرق الأوسط، على غرار التحالف الدولي الذي قاتل في الحرب العالمية الثانية، تحت راية ما يسمى الحلفاء، في خلط كبير للأوراق، فلا يوجد هتلر أو النازية في الشرق الأوسط؛ بل هناك احتلال استيطاني للأراضي الفلسطينية، وهي بنص القوانين الدولية، أراضٍ محتلة من قبل إسرائيل.

وبالتالي، فإن نتنياهو، كما قلت في مقالات سابقة، لديه أهداف أبعد من غزة، والآن أبعد من فلسطين بالكامل، لا سيما أنه اعترف من قبل في أكثر من تصريح، بأنه يريد تغيير خريطة الشرق الأوسط بالكامل، ووصل به الأمر إلى حد أنه قال إنه سيغير العالم نفسه، لذا يريد وضع أوتاد في جنوب لبنان، من خلال احتلاله خمس نقاط استراتيجية، واحتلال جنوب سوريا، والتدخل لصالح طائفة على حساب أخرى، وكلها أراضٍ عربية يسعى للتوسع فيها، بهدف السيطرة وإعادة رسمها من جديد، وفق جدول أعمال إسرائيلي، والذي يتجدد بعد ثمانين عاماً من النكبة الأولى، وكأنه بصدد صناعة نكبة جديدة تتفوق على نكبة عام 1948 مرة أخرى.

النكبة الأولى كانت بمثابة زلزال هز المجتمعات العربية والدول العربية، وأحدث انقلابات وثورات وحروباً أهلية، وضع المنطقة على حافة الغليان الدائم، وهذه المرة يريد أن يفجر المنطقة من خلال تصدير الفتن بين الطوائف والأعراق، ولدينا شاهد حي في لبنان وسوريا، وحتى في فلسطين نفسها، من خلال الانقسام الحاد والمؤذي بين أطياف الشعب الفلسطيني وفصائله، ذلك الانقسام الذي أدى إلى تفجير الحرب الحالية منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023.

إن دولة الاحتلال تراهن على الارتداد الذي يعقب الزلازل، من اصطدام بين دول أو طوائف، أو عودة للحروب الأهلية، لتصبح هي القوة الوحيدة المؤهلة لقيادة الشرق الأوسط، بمفهوم «سلام القوة» وليس قوة السلام.

لكنني أعتقد جازماً بأن هذا المفهوم لن يعبر الجسر الذي يبنيه نتنياهو وجماعته من اليمين المتطرف، فبقدر شعوره بالقوة والهيمنة، بقدر الأخطار التي تحيط بالمشروع الإسرائيلي بالكامل، فصورته العالمية بدأت تتآكل وسط اعترافات متصاعدة بالدولة الفلسطينية، وظهور جيل جديد من الشباب، بدأ يحطم صورة الدولة التي كانت تدعي أنها تعيش في محيط من الأعداء، ومهددة بالزوال، فإذا بها ترتكب أكبر إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين، وهي جريمة لا تسقط بالتقادم.

لهذا يريد نتنياهو أن يواصل الحرب، لتحويل الجرح النازف إلى عاهة مستديمة، وأظن أن العقول الواعية في المنطقة، لن تمكنه من الوصول إلى هذا المفهوم، مهما يكن الاندفاع الذي يمتطيه نتنياهو، فثمة تغيير شامل في بنية المنطقة والإقليم والعالم، فالسلاح الفتاك سينكسر بمسارح العمليات في لحظة معينة، بفعل إرادة الدفاع عن الحقوق التاريخية التي لا يمكن أن يمحوها الزمن أو يطمس معالمها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد