ثبات موقف المملكة يبعث رسالة أمل للفلسطينيين، ورسالة قوة للعالم، أن الحق لا يسقط بالتقادم، وأن الأمة العربية وفي مقدمتها المملكة ستظل تدافع عن فلسطين حتى تعود الحقوق إلى أصحابها.. وفي وقتٍ يسعى فيه الاحتلال إلى فرض واقع جديد بالقوة، يأتي الصوت السعودي عالياً وواضحاً: لا للتهجير.. لا للحصار، ولا لتصفية القضية الفلسطينية..
لم تكن القضية الفلسطينية في يومٍ من الأيام مجرد ملف سياسي عابر على طاولة المملكة العربية السعودية، بل هي قضية محورية ارتبطت منذ نشأة المملكة بمبادئها وثوابتها الراسخة في الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم، وقد أكدت الرياض عبر عقود طويلة أن فلسطين هي قضية العرب الأولى، وأنها ستظل في قلب أولوياتها السياسية والدبلوماسية والإنسانية. وفي ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية اليوم، يبرز موقف المملكة مرة أخرى واضحاً وقوياً، كما جاء في بيان وزارة الخارجية الأخير، الذي أدان بأشد العبارات تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي تدعو إلى تهجير الفلسطينيين، بما في ذلك عبر معبر رفح، واستخدام الحصار والتجويع كوسائل للضغط والتهجير القسري.
هذا البيان ليس مجرد رد فعل سياسي، بل هو امتداد طبيعي لدور المملكة التاريخي في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وتجسيد لرؤية واضحة تقوم على رفض جميع أشكال العدوان والتهجير القسري، وإدانة الممارسات التي تنتهك أبسط القوانين الدولية والإنسانية. فالسعودية، منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، لم تتخلَّ يوماً عن دعم الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وما يميز السياسة السعودية تجاه فلسطين هو ثباتها عبر السنين، وعدم خضوعها للتقلبات السياسية أو المساومات الدولية. فالمملكة كانت وما زالت من أكبر الداعمين للسلطة الفلسطينية سياسياً ومالياً، وقدمت مليارات الدولارات على مر العقود لدعم الاقتصاد الفلسطيني، وبناء المستشفيات والمدارس، وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وعلى الصعيد السياسي، لعبت السعودية دوراً محورياً في طرح المبادرات السلمية، أبرزها مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- في قمة بيروت عام 2002، والتي لا تزال حتى اليوم تشكل الأساس الأكثر شمولاً لتحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة. كما تقود المملكة جهوداً دبلوماسية متواصلة في المحافل الدولية للدفاع عن الحق الفلسطيني، سواء في الأمم المتحدة أو في القمم العربية والإسلامية. وفي هذا الإطار، جاء البيان الأخير للخارجية السعودية حازماً في رفض التصريحات الإسرائيلية المتعلقة بتهجير الفلسطينيين، خاصة عبر معبر رفح، وهو أمر يشكل خطراً وجودياً على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. إن استخدام الحصار والتجويع كوسائل ضغط هو جريمة حرب موصوفة، تتعارض مع اتفاقيات جنيف وكل القوانين الدولية.
ويعكس هذا الموقف السعودي وعياً عميقاً بخطورة هذه السياسات، إذ إن تهجير الفلسطينيين من أرضهم لا يهدف فقط إلى إفراغ الأراضي المحتلة، بل يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية من جذورها. ولذا كان التأكيد السعودي على دعم مصر في رفضها القاطع لأي محاولات لتوطين الفلسطينيين خارج أرضهم، في انسجام كامل مع الرؤية العربية المشتركة التي تتمسك بحق العودة ورفض التهجير. ولم يقتصر دور المملكة على الجانب السياسي والدبلوماسي، بل امتد إلى المجال الإنساني والإغاثي بشكل كبير، حيث كانت في مقدمة الدول التي سارعت إلى تقديم المساعدات الطبية والغذائية للشعب الفلسطيني في أوقات الأزمات. وخلال العدوان الأخير على غزة، أطلقت السعودية حملات تبرع شعبية، وأرسلت طائرات إغاثية محملة بالمؤن والمستلزمات الطبية، في مشهد يعكس التضامن الشعبي والرسمي مع أشقائنا الفلسطينيين.
ويبرز هذا الدعم الإنساني القيم التي تأسست عليها المملكة، والتي تضع نصرة المظلومين ومساعدة المحتاجين في صلب رسالتها. كما أن البيان السعودي الأخير ليس موجهاً فقط للداخل الفلسطيني والعربي، بل هو رسالة واضحة للمجتمع الدولي أن السكوت عن ممارسات الاحتلال، من حصار وتجويع وقتل وتهجير، هو مشاركة في الجريمة. وقد أكدت المملكة مراراً أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة مستقلة ذات سيادة. وفي هذا السياق، تعمل الرياض على حشد الدعم الدولي لوقف العدوان، والدفع باتجاه حل سياسي عادل، مع التأكيد على أن الحلول الجزئية أو المؤقتة لن تحقق الأمن ولا الاستقرار في المنطقة.
لقد أثبتت السعودية، عبر مواقفها المتكررة، أنها سند حقيقي للقضية الفلسطينية، وأنها لن تتراجع عن دعمها للشعب الفلسطيني مهما كانت الضغوط. إن ثبات هذا الموقف يبعث رسالة أمل للفلسطينيين، ورسالة قوة للعالم، أن الحق لا يسقط بالتقادم، وأن الأمة العربية، وفي مقدمتها المملكة، ستظل تدافع عن فلسطين حتى تعود الحقوق إلى أصحابها. وفي وقتٍ يسعى فيه الاحتلال إلى فرض واقع جديد بالقوة، يأتي الصوت السعودي عالياً وواضحاً: لا للتهجير، لا للحصار، ولا لتصفية القضية الفلسطينية، ففلسطين ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية وجود وهوية وكرامة، ستبقى في وجدان السعودي، وفي صدارة اهتمامات المملكة العربية السعودية.