عبدالرحمن الحبيب
هل الأنهار والجبال كائنات حية؟ هل الأشجار لها مشاعر؟ هل لها حقوق قانونية؟ تلك أسئلة تبدو منافية للعقل أو أنها على الأقل ترف فلسفي، إنما بعض نشطاء البيئة يرون أنه من المناسب توسيع حدود مفهوم «الحياة» ليشمل النظم البيئية باعتبار أن مصير حياتنا ينبثق من سلامة تلك النظم.
وفقاً لهذا المبدأ صدر مؤخراً كتاب بعنوان «هل النهر حي؟» (Is a River Alive?) من سلسلة مؤلفات لكاتب الطبيعة المشهور روبرت ماكفارلين الذي يجيب بطريقة غير مباشرة بأن الأنهار ليست مجرد مادة للاستخدام البشري بل كائنات حية، ينبغي الاعتراف بها على هذا النحو في الخيال والقانون، رغم اعتراف المؤلف بصعوبة الإجراءات التنظيمية التي تتخلل هذا المبدأ.
يأخذنا المؤلف في رحلة استكشافية متنقلاً من شمال الإكوادور حيث تتعرض غابة سحابية عجيبة وأنهارها للتهديد باستغلال الذهب؛ ثم ينتقل إلى الأنهار والخلجان والبحيرات المتضررة في جنوب الهند، والمعركة اليائسة لإنقاذ أرواح هذه المسطحات المائية؛ وأخيرًا، إلى شمال شرق كيبيك (كندا)، حيث يُدافع عن نهر بريّ خلاب من الموت ببناء سد في حملة لحقوق الأنهار؛ ليكشف عن أن مصيرنا البشري يتدفق مع مصير الأنهار.
إذا افترضنا أن الأنهر كائنات حية ومثلها الغابات والجبال، وأن لها حقوق يجب صونها، فمن يحدد هذه الحقوق؟ ومن يمثلها أمام المحاكم إذا انتهكت حقوقها؟ ردًا على ذلك، نعود إلى أوائل السبعينيات مع بداية ناشطي البيئة والسكان الأصليين ونشوء «حركة حقوق الطبيعة» عندما تساءل المحامي كريستوفر ستون عمّا إذا كان ينبغي للأشجار أن تُمنح مكانة قانونية، حيث يقترح مُؤيّدو هذه الحركة بأن الكيانات الطبيعية كالجبال والغابات والأنهار يُمكن، بل وينبغي، أن تتمتع بحقوق حتى الشخصية القانونية، وبالتالي الحماية التشريعية.
بطبيعة الحال، المشكلة الأساسية في هذا الافتراض أنه قد يبدو وكأنه ادعاء التجسيم (إسباغ الصفات والمشاعر والنوايا البشرية على الكيانات غير البشرية)، ولكن الكتاب يرد: «إن وصف نهر بأنه حي ليس تجسيدًا بشرياً له، بل هو تعميق وتوسيع لمفهوم «الحياة»».
من هذه المشكلة الأساسية التي تواجهها فكرة الكتاب تتفرع عدة تحديات، أولها وأهمها هو الجانب المادي، فضلاً عن علم الأحياء الذي يجيب بالقطع بأن النهر ليس كائناً حيَّا، وأن الأشجار كائنات حية لكن ليس لها مشاعر، إلا أن الكتاب يحثنا على النظر لما هو أبعد من الجانب المادي المباشر، كما لو كانت الحياة ظاهرةً غامضةً تفتقر إلى حدودٍ واضحة، فمثلاً تعرجات الأنهر عبر الكائنات الطبيعية المليئة بالحياة، تجعل من الصعب على المرء ألا يشعر بأن الأنهار تبدو حية ومليئة بالحياة.
إذن، كيف يُمكننا حقًا التحدث باسم الطبيعة؟ ماذا يريد النهر؟ ألا تتحول حركة حقوق الطبيعة إلى «شكل مُقنّع من المناورات السياسية» حيث يصبح منح الشخصية للكيانات الطبيعية مجرد وسيلة لتحقيق غاية، كما يتساءل ماكفارلين الذي يخشى من أنه بمنحنا حقوقًا للطبيعة، سينتهي بنا الأمر ببساطة إلى «وكلاء بشريين ينطقون بكلمات مثل «نهر» و»غابة» في نوع من الروحانية التمثيلية».
بالرجوع للبدايات المسجلة، نجد أن من أوائل الدعاوى القضائية التي نصت على حق المواطنين في رفع دعاوى قضائية للمطالبة بالأضرار البيئية والجمالية، كانت قضية مؤتمر الحفاظ على مناظر هدسون الطبيعية الخلابة ضد لجنة الطاقة الفيدرالية الأمريكية، التي بتت فيها محكمة الاستئناف عام 1965، وساعدت هذه القضية في وقف بناء محطة طاقة على جبل ستورم كينغ في ولاية نيويورك.
إذا عدنا للكتاب الذي يتمحور حول ثلاثة أجزاء تمثل رحلات استكشافية مثيرة لثلاثة نُظم مائية هائلة، رافق المؤلف فيها مجموعة متنوعة من مرشدين محليين، وعلماء أحياء ومحامين بالإضافة إلى قضاة ونشطاء وخبراء في المناطق النائية ومصورين وموسيقيين.
الجزء الأول يتناول غابة لوس سيدروس السحابية المتراكمة الغيوم في الإكوادور المليئة بالأشجار التي تغطيها النباتات الهوائية في مدرجات الجبال، «حياة [مزدهرة] فوق حياة فوق حياة فوق حياة في هاوية لا نهاية لها على ما يبدو تحير الخيال وتفتح انزلاقًا متدرجًا من الدهشة قد ينهار فيه العقل». هذه الغابة تشتهر بكونها أول غابة تُمنح حقوقًا دستورية في الإكوادور، مما ساعدها على مقاومة مشاريع التعدين.
في الجزء الثاني ينتقل المؤلف إلى تشيناي، جنوب شرق الهند، متتبعاً مجرى ثلاثة أنهار ويدرس حالة تلوثها، حيث أكبر موقع تعشيش في العالم لسلاحف الزيتون البحرية المهددة بالانقراض، واصفاً مدفن تفريخ هذه السلاحف «يشبه مقبرة صغيرة، لكن بمنطق معكوس: هنا، الدفن يولِّد الحياة».
الجزء الأخير في كيبيك، كندا، رحلة تجول بقارب الكاياك أسفل نهر موتيهيكاو شيب المعروف بنهر ماغبي، حيث يشكل الخشب الطافي «مخزنًا لعظام النهر التي تآكلت بفعل الماء».
هذا النهر مُنح الشخصية القانونية عام 2021. اتُخذ هذا القرار التاريخي من قِبل شعب إيكوانيتشيت وبلدية مقاطعة مينجاني الإقليمية لحماية النهر من مشاريع الطاقة الكهرومائية، ويستند إلى تقاليد شعب إينو وتقاليدهم القانونية. يتميّز النهر بجماله البريّ الأخاذ، وإمكانياته السياحية الترفيهية، وأهميته لأمة إينو في مجال الأغذية والأدوية التقليدية، بالإضافة إلى كونه ممرًا مائيًا للنقل.
وفقاً لهذا السياق، يمتد مفهوم «الحياة» ليشمل الأنهار.

