صيغة الشمري
تخبرني صديقتي، قصة أجزم بأنها تهم الجميع، تقول صديقتي إن أباها تغير حاله فجأة، فأصبح ضيق الخلق بعد أن كان من أكثر الناس بشاشة، كان يثور لأتفه الأسباب، بعد أن كان لا يغضبه ما يغضب الناس العاديين، بمعنى أنه كان حليماً حقيقياً، حتى وصل لدرجة أنه لا يحب الجلوس معنا، وهو الذي كان في السابق يحرص على اجتماع العائلة بشكل شبه يومي، كان لا يحب أن يأكل إلا والجميع حوله على طاولة الطعام، تغيرت مع تغير أحواله جميع الأجواء العائلية، والغريب أنه لم يكن يعاني من مرض السكر أو الضغط، إذ كان من الناس الذين يحرصون على المشي يومياً ولا يقدم شيئاً مهماً على هذه العادة، تقول صديقتي إنها بدأت تتأكد أن أباها يعاني من مرض نفسي دون أدنى شك، كانت محاولة إقناع الأب بالذهاب إلى طبيب نفسي أكثر صعوبة ومرارة من مشاهدته وهو يعاني ويقاوم فقدان طعم الحياة، وبعد عدة أشهر من المحاولات اقتنع وذهبنا به إلى طبيب نفسي، وانتهت المشكلة في عدة أسابيع ليعود الأب أفضل مما كان عليه وتعود بعودته وشفائه السعادة وأجواء البيت التي لا تصبح جميلة دون رحابة أب، تكمل صديقتي بأنهم دخلوا بعد ذلك في دوامة أو مشكلة قد تبدو أكبر من مشكلة المرض الذي مر به أبوها، حيث إن الأب يشعر بالعيب والخزي من أنه ذهب إلى طبيب نفسي، ولا يمضي عدة أيام إلا ويحرصنا على أهمية التكتم على الموضوع، ولم نستطع إقناعه بأن الأمر عادي جداً ولا يستحق كل هذا الحرص والقلق.
انتهت قصة صديقتي ولكن لم أستطع تجاوزها منذ أن أخبرتني بها، كم تمنيت أن أرى مجتمعنا وهو يتعامل مع الطبيب النفسي كما يتعامل مع بقية الأطباء، مع أن المفارقة العجيبة أن جميع أطباء العالم يتفقون أن جميع الأمراض تبدأ من شرارة نفسية من توتر أو قلق، كم تمنيت أن نوقف خسائرنا من أحبتنا الذين نفقدهم ونفقد سعادة القرب منهم بسبب عدم قدرتنا على إقناعهم بالذهاب إلى طبيب نفسي قبل أن يتحول مرضهم إلى مرض يصعب الشفاء منه لا سمح الله، للأسف أن كل شيء تطور وكل شيء قديم من مفاهيم خاطئة قد تم تصحيحه نتيجة الثورة المعلوماتية التكنولوجية، ما عدا مفهوم الذهاب إلى طبيب نفسي في مجتمعنا، صحيح أن هناك تحسناً ملحوظاً لكنه لم يصل إلى درجة سهولة الذهاب إلى طبيب نفسي بشكل معلن، أغلب الذين يذهبون إلى المستشفيات النفسية وصلوا إلى مراحل متقدمة من صعوبة المرض وقد يكونون أحضروا إلى المستشفى النفسي رغماً عنهم.
ما زالت حملات التوعية بأهمية الذهاب إلى طبيب نفسي بحاجة إلى تكثيف وتركيز وزيادة عدد الحملات حتى نحمي قلوب أحبتنا من أن تمشي حافية!.

