من الممكن أن يكون هناك كلام من جانب مسؤول في نظام دكتاتوري فيه إدعاء بعيد عن الحقيقة والواقع، ولكن لأنه صدر في ظرف بالغ الحساسية، فإنه لن يتم تسليط الأضواء عليه كثيرًا، بل وحتى إن وسائل الإعلام وبشكل خاص في البلدان الغربية ترى فيه كأحد المنشورات النفسية التي تسعى للدفاع عن النظام وعمل من أجل الحيلولة دون تفاقم الأوضاع، ولكن عندما يصدر كلام عن الدكتاتور نفسه وفي ظل ظروف اعتيادية، فإن الصورة تختلف حتمًا.
بعد أيام من انتهاء حرب الأيام الـ12، صدرت تصريحات من جانب مسؤولين إيرانيين أكدوا فيها أن حرب الأيام الـ12 لم تعمل على تأليب الشعب ضد النظام، بل إنها وحدته، وحتى جعلت المعارضة أيضًا تقف في خندق واحد إلى جانب النظام. هذا الكلام لم يتم التركيز عليه في حينه لأن العالم كله كان يدري بأن طهران خرجت من آتون حرب ضروس قلب نهارها ليلا، ويبدو أنه كان هناك تفهم لهذا الكلام المجانب للحقيقة، خصوصًا وإن التوقعات كلها كانت في غير صالح إيران والحكم السائد فيها.
بيد أن الموقف الذي ذكرناه آنفًا لا يمكن أن ينسحب على تصريح بنفس المعنى من جانب المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، يوم 27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، والذي نفى فيه أي تواصل مع الولايات المتحدة الأميركية، وهاجم فيها ترامب بشدة، وتناول حرب الأيام الـ12 التي اعتبرها قد وحدت المعارضة والنظام داخل إيران، عندما قال بهذا الصدد: "الكيان الصهيوني خطط وأعد لهذه الحرب منذ 20 عامًا، حيث تم التخطيط من أجل أن تقع حرب داخل إيران، وأن يتحرك الناس ليقفوا ضد النظام ويقاتلوه. لكنهم عادوا خائبين، وحدث العكس تمامًا، ففشلوا، وحتى أولئك الذين كانوا على خلاف مع النظام وقفوا إلى جانبه. لقد ولدت حالة من الوحدة العامة في البلاد، ويجب تقدير هذه الوحدة والحفاظ عليها"!
ما هي المعارضة التي يقصدها خامنئي؟ هل هي تلك التي تسعى من أجل إسقاط النظام، كتلك التي كانت وراء انتفاضة أواخر عام 2017، كما قالها بعظمة لسانه، مثلا؟ من الواضح جدًا أنه لم يقصدها على وجه الإطلاق، فهناك مواجهة حياة أو موت بين هذه المعارضة والحكم القائم منذ 46 عامًا، وتم تأكيدها بفتوى من الخميني بإبادة آلاف السجناء السياسيين عام 1988، المنتمين إليها.
الحق، إن المعارضة التي قصدها خامنئي، هي الوجه الثاني للنظام، أو كما يسمى في إيران بالجناح الإصلاحي، ومنها الرئيس مسعود بزشكيان، الذي هو، وعندما يتطلب الأمر، خامنئي أكثر من خامنئي نفسه، ولكن هذا الجناح لم يكن يومًا ضد النظام، بل إنه يعتبر نفسه أداة حرص على النظام من خامنئي ذاته. ومعارضة بهذا المقاس، هي امتداد للنظام ولخامنئي نفسه. فهل كان خامنئي على خلاف مع نفسه ثم عاد للتصالح مع نفسه على أثر حرب الـ12 يومًا!


