: آخر تحديث

إياك أعني واسمعي يا جارة

3
3
3

في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، أمر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بحبس عدد من الأمراء والوزراء والشيوخ في فندق ريتز كارلتون بالرياض، ولم يُطلِق سراح أي منهم إلا بعد أن يوافق على إعادة المليارات من الريالات والدولارات التي ثبت أنه جمعها بغير حق.

وقيل يومها إنَّ تسعين بالمئة من المُتهمين سلّموا للدولة، مقابل الإفراج، أموالًا طائلة، عقاراتٍ، وأوراقًا مالية، وحصصًا في شركات، وأكوامًا من العملات المكدسة في البنوك.

تذكرت هذه العملية الجريئة اليوم، والعراقيون في انتظار اختيار رئيس حكومة جديد، في ظل إشاعات تتحدث عن تدخل أميركي (محتمل) قد يساعد على اختيار واحد غير متورط في فساد، وغير مرشح من إيران، ولا علاقة له بأحزاب السلطة المسلحة التي أدمت القلوب وأفرغت الجيوب على مدى عشرين عامًا وأكثر.

يعني أن المؤمل أن يساعد الأميركيون على تعيين رئيس حكومة، يدٌ من حرير، ويدٌ من حديد، مستقل وحر وشجاع، لا يخاف من فصيل مسلح، ولا ينحني لسفارة الحرس الثوري في العراق.

ويتداول العراقيون إشاعة متفائلة تقول إن أول المطلوب من القائد الضرورة الجديد تحويل دفة السفينة من الشرق إلى الغرب والجنوب، حتى لو أصبحت أميركية الهوى والمرام.

ويقول مجاهدون من حملة السلاح المنفلت إن هذا يعني عمالة مفضوحة لأميركا.

قد يكون. جرب العراقيون العمالة لإيران، فلم لا يجربون العمالة لأميركا؟ خصوصًا وأنهم موعودون بدولة أمن وأمان وحرية وتجارة ورخاء.

وإذا كان مبعوث الرئيس ترامب، كما يُشاع، آتٍ لتمكين العراقيين من الانتقال من زمن الخوف والفقر والفشل والفساد إلى دولة البناء والصناعة والزراعة والتكنولوجيا وسلطة القانون، فكم من عراقي سيفضل البقاء في كهوف الظلام والخرافة والجهالة والخراب؟

والسؤال المهم:

هل سيصحو المواطن العراقي، ذات صباح، فيجد القائد الضرورة الجديد، رئيس وزرائه والقائد العام لقواته المسلحة، قد أصبح محمد بن سلمان العراقي، يقول كما قال، ويفعل كما فعل، ويتجرأ، مثله، على حبس كبار المتهمين بالفساد في أحد فنادق بغداد الباذخة المبنية بالمال المختلس من خزينة الدولة، لا لكي يسترد لخزينة الدولة الملايين والمليارات من الدولارات مقابل إطلاق سراحهم، كما فعل الأمير محمد بن سلمان، بل ليوقّع الرعب في قلوب المختلسين والمتلاعبين غير المكشوفين، ويخضّ المجتمع العراقي بقوة، ويُخرج منه ملايين الخيّرين الحالمين بالعدالة والنزاهة من صمتهم الثقيل ومن صبرهم الطويل، ويجندهم معه قوةً مضافة تساعده على خوض حروبه السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية والأمنية والثقافية والاجتماعية، وينتصر فيها؟

فلولا تلك الصولة الجريئة الشجاعة، لكان صعبًا، بل مستحيلًا أن نرى الأمير السعودي الشاب جالسًا، بعباءته العربية وعقاله العربي، أمام رئيس أكبر دولة وأقوى دولة في العالم، جلسة القوي المنتصر الذي لم يرفع رأس مواطنيه السعوديين فقط، بل رأس كل عربي تعب من عصور الذل والمهانة والضياع.

الخلاصة أن الحرب المطلوبة في العراق ليست فقط على شلة فاسدين اختلسوا بعضًا من مال عام، كما حدث في الرياض، بل على الفساد كله، بأصله وفصله، ومن جذوره العميقة، وعلى حُماته المحليين، ورعاته الخارجيين المقابعين وراء الحدود.

إياكِ أعني واسمعي يا (جارة).


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.