أحيانًا عندما أمرّ بمشاكل كبيرة في حياتي الخاصة أو العمل، أقول لنفسي متمنياً: "يا سلام لو أنام كم سنة وأصحو لأجد أنَّ كل المشاكل قد انتهت"، أو "لو أنام 300 سنة وأصحو لأجد أنَّ العلم قد قضى على كل الأمراض وأن العالم تخلص من الأسلحة والحروب والقتل"!
وسورة الكهف في القرآن من السور التي يتبارك المسلمون بقراءتها قبل صلاة الجمعة، وتحكي قصة أهل الكهف عن فتية مؤمنين هربوا من الاضطهاد الديني إلى الكهف ومكثوا فيه سنوات طويلة تزيد عن 300 سنة، وعادوا لكي يجدوا أنَّ كل شيء قد تغير.
قصة أهل الكهف (أصحاب الكهف أو الفتية النائمون) لها جذور وروايات متشابهة في ثقافات وديانات مختلفة، وغالبًا ما تدور حول فكرة "النوم الطويل والمعجزي" أو "الهروب بالإيمان من الاضطهاد"، ثم الاستيقاظ بعد زمن طويل ليجد الإنسان حياة أفضل.
في المسيحية:
قصة "السبعة النائمين" منتشرة في التراث المسيحي (خصوصًا الكاثوليكي والأرثوذكسي)، وتقول إنَّ مجموعة من الشبان المسيحيين في زمن اضطهاد الإمبراطور الروماني دقيوس (القرن الثالث الميلادي) فرّوا إلى كهف في مدينة أفسس (في تركيا الحالية)، فناموا هناك، بأعجوبة، ثم استيقظوا بعد نحو 200 سنة ليجدوا أن المسيحية أصبحت الديانة الرسمية.
في اليهودية:
ليس هناك قصة مطابقة تمامًا، لكن توجد حكايات عن أنبياء أو رجال صالحين ينامون طويلًا أو يُخفَون عن أعين الناس، مثل بعض النصوص حول النبي إيليا (إلياس) وعودته في آخر الزمان. كما توجد إشارات في الأدب اليهودي القديم (مثل التلمود) عن أشخاص غابوا طويلًا ثم عادوا.
في الأدب اليوناني والروماني:
هناك قصص عن “النوم الطويل” أو “الزمن المفقود”، مثل أسطورة إبمينيدس الكريتي (Epimenides)، وهو فيلسوف يوناني يُقال إنه نام في كهف حوالى 57 عامًا ثم استيقظ.
أيضًا في الأدب الشعبي اليوناني والروماني نرى قصصًا عن أشخاص يغيبون في “سبات” أو “خدر”، ثم يعودون ليجدوا الزمن قد تغيّر.
في الفلكلور العالمي:
في أوروبا، تنتشر حكايات شعبية عن ملوك أو أبطال “ينامون” حتى يحين وقت عودتهم، مثل أسطورة الملك أرثر في بريطانيا أو الإمبراطور فريدريك بروسا في ألمانيا، الذين قيل إنهم نائمون في كهف أو جبل وسيعودون في آخر الزمان.
في اليابان، هناك أسطورة أوراشيما تارو (Urashima Tarō): صياد يزور قصرًا تحت البحر، وعندما يعود يجد أن مئات السنين قد مرّت على الأرض.
وفي العصر الحديث، فإنَّ معظمنا في عالمنا العربي والإسلامي الجميل قد قرر الهروب من تأثير الحضارة علينا وقررنا الدخول في كهف باختيارنا المحض، وداخل الكهف نستخدم كل أدوات الحضارة الغربية الكافرة من موبايل وسيارات وأدوية وملابس داخلية وحتى أقلام الرصاص نأخذها من خارج الكهف، بل واستطعنا إدخال تكييف الهواء داخل الكهف. وكل هدفنا من الهروب إلى هذا الكهف الاختياري هو الحفاظ على "ثوابتنا الدينية والتقاليد"، وأحيانًا يخرج البعض للعلاج أو الدراسة أو الفسحة، ثم يعود إلى الكهف باختياره للحفاظ على "الثوابت". ومعظم من هاجر واستقر خارج الكهف حمل معه تلك "الثوابت" وبنى لنفسه وأسرته ومجموعته كهفًا صغيرًا في بلاد المهجر.
ونحن خارج الكهف نؤمن بأنَّ معظم الناس خارج الكهف تتربص بنا لأننا أفضل الأمم بسبب ثوابتنا، وأن الأعداء يحاولون تدمير ثوابتنا ليهزمونا من الداخل، ونحن داخل الكهف لا نقدّم شيء لبقية العالم خارج الكهف سوى بعض مواردنا الطبيعية.
ويوجد باختيارنا على أبواب هذا الكهف مجموعتان من الحراس: حراس نزودهم بالسلاح ويتحكمون فينا بواسطة السلاح الذي نشتريه لهم بأموالنا، ومجموعة أخرى هم حراس الثوابت الدينية وقاموا بتعيين أنفسهم خلفاء الله داخل الكهف، وأطلقنا عليهم لقب علماء الأمة. وأحيانًا يتصارع هاتان المجموعتان، ولكن في معظم الأحيان يتحالفان مع بعضهما البعض للاستمرار في حكمنا و"حمايتنا" من الأشرار خارج الكهف، وغالبًا ما يفشلون في تحقيق تلك الحماية!
ونحن داخل الكهف ندرك تمامًا ويوميًا ما يحدث خارج الكهف ونرى التقدم العلمي المذهل في الخارج ونعجب به جدًا ونستخدم أدواته، ولكننا (سواء لعجز منا أو لخوفنا من تغيير "ثوابتنا") نرفض اتباع الفكر العلمي والعلمانية والديمقراطية والمبادئ الإنسانية والقوى التي كانت وراء هذا التقدم العلمي المذهل والدؤوب.
أما حراس ثوابتنا من "علماء الأمة" فقد توصلوا إلى حل يرضي جميع الأطراف: الناس خارج الكهف تقدموا وتمتعوا في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب السعير، أما نحن فحافظنا على ثوابتنا فلنا المتع كلها في الآخرة، وهي خير وأبقى للأبد، أما الحياة الممتعة خارج الكهف فهي مبهرة ومؤقتة وفانية.
وهو حل جميل ويلائم ما تعودنا عليه من كسل وتواكل وتناحر فيما بيننا داخل الكهف.
وأخيرًا، إلى علماء الأمة وحراس الثوابت (الذين يحاربون الأفكار والمبادئ من خارج الكهف)، أرسل لهم هذا الحديث وهو من الثوابت: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل" (حديث صحيح).
فلنهنأ جميعًا بحياتنا داخل الكهف، واستأذنكم فعندي موعد خارج الكهف مع طبيبي، ثم أذهب لنزهة خارج الكهف لاستنشاق بعض الهواء المنعش!