ليس غريباً تبادل التصريحات والتهديدات بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في إسرائيل و«جماعة أنصار الله» (الحوثيين) في اليمن، على خلفية تطورات عسكرية تثبت أن كل شيء قابل للاختراق، سواءٌ بتدبير محكم أو بـ«ضربة حظ»، كما قيل تهويناً؛ إنما يُعدّ ذلك كله بمثابة استطراد. وسط الأجواء الماطرة بصنعاء أواخر أغسطس (آب) 2025، هطلت «قطرة حظ» (اسم العملية العسكرية الإسرائيلية) «آلمت» الحوثيين حسب تصريحاتهم؛ إذ أودت بحياة «12 قيادياً مدنياً غير عسكري» غير منتمين إلى محافظة صعدة ومحيط الجماعة، وليست لديهم صلة قرابة مباشرة مع قيادتها، بيد أنها «إضافة إلى الرصيد (الإسرائيلي)...» حسب عبد الملك الحوثي من ناحية تنفيذ التهديدات بـ«قطع ذراع من يرفع يده».
لا غرابة، لأن التاريخَ حافلٌ بأفاعيل إسرائيل. إنما الغريب هنا أن يستغرب أحد عدم التعلّم والاتعاظ من مصائر ما حدث لقادة «حزب الله» و«حماس» حتى الآن! وما حدث حتى للفدائيين الفلسطينيين قبل هذا بعقود.
لا أحسب مَن يستغرب ذلك يتجاهل كم «يعلّمنا التاريخ أن لا أحد يتعلم منه»، ناهيك بأنها مهارةٌ تفوق قدرةَ من يتوهم نفسه معلماً وواعظاً وموجهاً للآخرين، بل يحدد مصير العالم! فضلاً عما يعتريه من حالة صممٍ ذهني عن آلام ومعاناة المعرضين لكل ضرر، ما دام هو يحتمي ويتدثر بزعم تحمل مسؤولية وقضية كبرى ورسالة تاريخية! لا جديد إذن فيما يجري استطراداً من ردودٍ على «مُسيّرات» الحوثيين بـ«غارات» إسرائيلية تستهدف بعض المواقع داخل اليمن؛ بالتالي لا غرابة في إعلان نتنياهو تدشين «مرحلة جديدة من المواجهة مع الحوثيين» الذين توعّدوا تل أبيب أيضاً بـ«أيام سوداء» باستطرادهم أيضاً «في التصعيد»! يظل نتنياهو يجتمع ويُصرّح، وعبد الملك الحوثي يتكلم ويَصرُخ، وكلاهما لا يبالي... ويستطرد محارباً؛ فيما يتضرر اليمنيون وينقسم تفاعلهم سياسياً وعاطفياً إلى التشفي والشماتة، التعصب والتضامن... ولكلٍ مَنْطِقُه! قلنا من قبل: «المتطرفون إخوة، خلفياتهم شتى وهمهم واحد». أي دليل أوضح من زمرتَيْن متطرفتَيْن؛ كل زمرةٍ تضلّل جماهيرها وتغذّي أوهامها على الجموح والمقامرة ونكران الحقوق العادلة باستمرار «الاحتلال»، وعدم احترام الشرعيات بمواصلة «الاختلال»... من ثمّ تتضاعف قلاقل واضطرابات المنطقة. نتنياهو والحوثي كلاهما مشحونٌ بثقافة ثأرية ومزايدة سياسية. «بيبي» مثلاً غير مشحون بالثأر من واقعة 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 فحسب، بل بثأر أخيه «يوناثان» بعد حادثة «عنتيبي» يوليو (تموز) 1976، وترديد نغمة «الهولوكوست» والمزايدة بأمن إسرائيل ووجودها، فيما الحوثي مشحون بثارات الماضي، ومقتل أخيه حسين في سبتمبر (أيلول) 2004، وترديد الشعار والمزايدة بنصرة أهالي غزة في فلسطين! كلاهما طوى ملف السلام واقتحم فضاء حرب غزة، والجماهير تنفعل بما تتلقى من أخبار عاجلة عنهما، إلى جانب تصاعد وانتشار الاعتراضات على استمرار الحرب في غزة وعدم الاكتراث بمصير الأبرياء. يهرب المتطرفان من استحقاقات ومهام إحلال السلام، سواءٌ في اليمن أو أرض فلسطين، ويستطردان معاً استثمار هذه الحوادث في سياق تعزيز الوجود مادياً ومعنوياً. وتصدر تصريحات وتبدر مواقف تنُمُّ عن تمييزٍ -غير مستغرَبٍ هو الآخر- يكشف عن نظرة المتطرفين تجاه من ظلوا وراءهم حتى ضلّوا نهاية المطاف، وانتهوا صرعى أو أسرى. ويتبيّن أن ثمة قيادات لا تضاهي قيادات، ورهائن لا يضاهون رهائن لا بواكي لهم لدى أي متطرف يعد حتى الحرب مجرد استطراد. لا تستغربوا.