إنَّ إطلالة الولي الفقيه علي خامنئي بعد غيبة ملفتة للنظر، بخطابٍ صاخب حافل بمفردات "النصر" و"الثبات"، وسعيه الواضح لتقديم نفسه في صورة "القائد الممسك بزمام الأمور"، لم تستطع أن تغطي على الواقع الضعيف والهش للنظام وعمليات الصراع والانقسام المتفاقمة داخل فصائله. السعي المحموم للمسؤولين الإيرانيين للإدلاء بتصريحات تظهر النظام قويًا ومعافى، لا تبدو مقنعة للعالم؛ خصوصًا بعد أن فقد النظام واحدًا من أهم عوامل قوته وهو دوره على صعيد بلدان المنطقة ووكلائه، بالتزامن مع تفعيل آلية الزناد وإعادة العقوبات الدولية التي جاءت مكمّلة للحلقة النارية المحيطة بالنظام. اليوم، يواجه النظام مرحلة لم يعد فيها يُتعامل معه وفق معايير سياسة الاسترضاء، وإنما على أساس من الحزم والصرامة.
تهاوي العمق الاستراتيجي وضيق الخيارات
تأتي مساعي خامنئي وبقية المسؤولين لاستعراض القوة لأنهم يعلمون أن تضعضع الأوضاع ونذر الانهيار الوشيك للنظام يجعل الأعين تتجه نحو البديل والأنظار تتجه نحو ما قد يحدث بعده. حتى الأمس القريب، كان المسؤولون يتصرفون وكأنهم اللاعب الأساسي في المنطقة، لكن الحالة اليوم اختلفت تمامًا. إن تأكيد وزير الخارجية الأميركي يوم الثلاثاء 21 تشرين الأول (October) 2025 على أهمية نزع سلاح الميليشيات الموالية لإيران التي "تُضعف سيادة العراق، وتهدد حياة ومصالح المواطنين"، يأتي كدليلٍ على أن مسار تراجع أطراف ما يُسمى بـ"محور المقاومة" مستمر، وأن على النظام الإيراني مراجعة حساباته والتحرك وفق الإحداثيات الجديدة التي فرضها سلام غزة. طهران تتابع عن كثب وبقلق بالغ ما يجري من تقويض مستمر لدورها وتأثيرها، وتدرك أن التسويات الإقليمية أخرجتها من موقع "اللاعب المعطّل" وأن أدواتها القديمة باتت أقل فاعلية وأعلى كلفة.
الترهيب والإعدام كسياسة لمواجهة الثورة في العمق
في ظلّ هذا الانكشاف الخارجي، يشعر النظام بخوف بالغ ولا يملك سوى سبيلين للخروج من هذا المأزق: الأول، مضاعفة الممارسات القمعية والإعدامات اليومية لبث حالة من الخوف وإظهار النظام في كامل قوته وجهوزيته. الثاني، محاولة إطالة الوقت وكسب أيام هنا وهناك. لكن المقصلة لا تصنع شرعية، بل تؤجل الانفجار وتُراكم الغضب في الداخل. إن ما يُضاعف قلق النظام هو الدور المتزايد لوحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق في سائر أرجاء إيران، ولا سيما داخل طهران العاصمة. وفي مناسبة تقديم السيدة مريم رجوي كرئيسة منتخبة للمجلس الوطني للمقاومة، نفّذت هذه الوحدات عمليات جريئة في ظل ظروف القمع الشديد وعرضت شعارات داعمة لها. وقد أكدت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة، على الدوام أن هذا النضال هو الطريق الوحيد لإنهاء الاستبداد وإقامة سيادة الشعب، وأنها تقف إلى جانب كل مقاومة مشروعة داخل البلاد. هذا التطور الفريد من نوعه يتزامن مع حملة "ثلاثاءات لا للإعدام" التي تقودها، والتي أوجدت حراكًا دوليًا ومحليًا ضاغطًا.
حسم المواقف: الطريق الوحيد لإنهاء التهديد
من دون شك، يعلم النظام جيدًا بأن نهاية ما يُسمى بـ"محور المقاومة" ستكون في عقر داره. إن مجرد تغاضي دول المنطقة والعالم عن هذا الأمر وعدم إكمال المسيرة التي بدأت بوكلاء النظام، وذلك بتقوية هذه المسيرة وتهيئة الأرضية لإسقاط النظام من خلال دعم نضال الشعب الإيراني من أجل الحرية والتغيير الجذري، فإن الخطر والتهديد سيبقى مُحدقًا بالمنطقة والعالم.
على بلدان المنطقة والعالم، وبشكل خاص البلدان الغربية، أن تحسم مواقفها في ظل هذه المرحلة الحساسة وتضع كرتها في سلة الشعب والمقاومة الإيرانية. إن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية هو البديل السياسي الجاهز الذي يضمن أن المواجهة لن يخرج منها النظام سالماً، وأن المنطقة ستنعم بسلام واستقرار دائم.


